بقلم / كاظم عبد الحسين عباس
لنستقر أولا على مفهوم المقارنة الذي سنعقده هنا من حيث كونه منهج علمي لابراز الفروقات التي تصل الى حد التنافر والتناقض وليس لغرض توظيف أية فرصة للمقارنة بمعناها الدارج الذي قد يفرض نوعا من التماهي المرفوض رفضا قاطعا في خطوتنا هنا .
وأول ما يفرض حاله هنا في كفة العراق الذي سبق الأحتلال انه كان بلدا مستقلا سيدا يلعب أدواره المطلوبة محليا وعربيا ودوليا ويفرض هيبته وأحترامه ويقيم علاقاته بالطريقة التي تكفل حقوق شعبه وأمته . كانت سياسات البلاد يصوغها أبناءها في السلطة وسواعد السلطة وقنواتها الفرعية من حزب وتحالفات للقوى الوطنية والقومية وينفذ اليها بسلاسة اراء الخبراء والاعلاميين والمثقفين والنقابات والاتحادات وتفرض سياقاتها ومساراتها حاجة البلد وضرورات ومقتضيات الأمن الوطني والقومي والتنمية
الشاملة بكل روافدها أيضا باتجاهين هما الوطني والقومي . ومن البديهي أن تتعرض المنهجية السياسية ومخرجاتها الاجتماعية والتربوية والأقتصادية بمؤثرات وعوامل ذاتية وأخرى موضوعية وكلاهما قد تواكبه وتحصل في ثناياه ومنعطفاته أخطاء وعثرات هي نتاج العمل وتراكم الخبرات وتدخلات التوافق المطلوب ولو في حده الأدنى مع البيئة الاقليمية والدولية واتجاهات السياسة فيهما.
بعد الغزو:
سقطت كل هوامش الارادة الوطنية سياسيا ليس بارادة الاحتلال المركب فقط بل وبانعدام الارادة السياسية للاشخاص والقوى التشكيلات التي جندها الاحتلال تحت مسمى ( معارضة ). فموظفي العملية السياسية كانوا في جلهم قد تم استيرادهم من ايران وهم اما فرس أو متفرسنين متخمئنين بالهوى والعقيدة الدينية الخمينية الصفوية. وبعضهم الاخر مستخدم للعديد من اجهزة المخابرات كجاسوس مركب لعدة دول أعجمية وغيرها . وثمة من هو متوحد مع شبكة العقيدة الطائفية للاخوان المسلمين وتفرعاتها المحكومة بعلاقات منظورة وغير منظورة مع الحركة الماسونية واللوبيات الصهيونية وخاصة البريطانية منها بشكل خاص.
( جميع هؤلاء ليس لديهم برنامج لادارة البلاد ولا رؤية اقتصادية ولا فكر تربوي و لا خبرة خدمات وكل ما كان يهمهم هو الوصول الى كرسي الحكم بغض النظر عن سلطة الكرسي الحقيقية وبغض النظر عن نوع الخدمة التي سيقدمها. كل ما كان يهمهم هو هدر دماء العراقيين الذين ساندوا نظامهم الوطني لخمس وثلاثين عام واستثمار السلطة لمنافع حزبية وشخصية ) .
النظام الوطني قبل الأحتلال كان يهمه رضا الشعب والتفافه حوله وكان يبني قراراته السياسية الفريدة والشجاعة على أساس حجم السياج الأمني الذي يمثله الشعب وحجم التأييد الشعبي لتلك القرارات بكونها ممثلة لارادة الشعب. من جهة ومن جهة أخرى, فقد كانت السلطة لدى رجال الحكم الوطني وسيلة وليست غاية بحد ذاتها .. وسيلة لتحقيق قفزات محسوبة كما وثبات الغزال في النهوض الاقتصادي كقاعدة للنهوض بالانسان تربية وتعليما ومضامين انسانية ثورية . كان الانسان قيمة عليا عند البعث وقيادته ونظامه وقيمة الانسان هي التي تحدد مسارات التنمية في التعليم والصحة والخدمات والمواصلات والاتصالات وهي أيضا قاعدة الانطلاق في مسارات العلم والتكنولوجيا في الصناعة والبحث العلمي التطبيقي .
بعد الغزو.. أتضحت أهداف المحاصصة المذهبية والعرقية وثقافة المكونات وتوزع فوضى ( اللا رؤى و اللا خبرة ) المركب على هواجس الاستحواذ على المال العام والفساد بكل أنواعه فصار العراق أمام مشهد فريد: ٣٠ حكومة في داخل الحكومة المحكومة و٣٠٠ برلمان داخل قبة البرلمان المنتخب بقوة الاحتلال وسلطة الارهاب . وتحول الدم العراقي وتدمير البنى المختلفة الى ستار لاستمرار نهب المال العام ومرتبات الارتزاق وما سمي بالخدمة الجهادية التي نهبت مليارات الدولارات تحت غطاءها الفاسد ,وانعدام السلطة الحقيقية على مختلف البقية الباقية من مسارات الدولة في الصحة والتعليم والقانون حيث تحركها الاهواء ومكونات الاثراء بالسحت الحرام والمقاولات والعقود الوهمية والسمسرة . واذا ظل نفس يتحرك في صدر العراق فهو بقايا الناس الخيرين من ابناء الدولة الوطنية ممن ظلوا يمسكون ثوابت الوطن والايمان والشرف.
كان العراق:
تحرس مؤسساته وشعبه وحدوده جيش وشرطة وأمن ومخابرات وتنظيمات الحزب . حتى في أحلك ظروف شهدها الوطن بكل تاريخه مع العدوان الخارجي و عصابات الارهاب للاحزاب الفارسية كان المواطن العراقي ينام قرير العين مطمئن على حياته واسرته وممتلكاته حيث تحول البعثيون الى ( نواطير للشعب ) في كل حارات وشوارع وأزقة الوطن.
بعد الغزو: سقطت كل مفاهيم وقواعد الامن . ونشطت مافيات أحمد الجلبي وشركاءه في سرقة مصانع الدولة وممتلكاتها من الاجهزة النووية والصناعية والزراعية ونقلها الى ايران مجانا أو مقابل فتات يرضي بعض جشع (المقبور عراب الاحتلال والطائفية الصفوية البغيضة) وعصاباته التي تدربت على الفساد وقلة الأدب وانعدام الحياء والوحشية والحقد الدفين الأسود على العراق وشعبه.
( لقد أزيلت مئات الشركات والمصانع ومراكز البحوث من على وجه الجغرافية العراقية الممتدة من أم قصر جنوبا حتى أعالي دهوك شمالا ودمرت مشاريع الزراعة الضخمة وجفت مشاريع الري العملاقة وعاد السبخ والضمأ للارض التي استصلحناها وهدمت المدارس ونهبت محتويات الجامعات والاثار والحضارة بحيث تبين تماما ان من بين أهداف الغزو المعلنة أو المطمورة تحت الاسترة الخرقاء هو خلق فجوة تاريخية بين العراق المطلوب لحقبة ما بعد الغزو وبين العراق المعروف عند كل العالم على انه من بين اولى مراكز الحضارة والتمدن في الكون كله ).
قبل الغزو :
كان العراق يتألف من طيف من ابناءه بقوميات متعددة أكبرها حجما بالسكان هم العرب ويتلون بالعديد من المعتقدات الدينية أعظمها حضورا فعليا هو الاسلام . وكانت حكومة العراق تنبثق من كفاءات العراق بلا حساب للقومية أو الدين . كان التصاهر والتالف واللحمة الاجتماعية أعجوبة من أعاجيب العراق والامة العربية .
بعد الغزو:
تحول العراق الى بؤر موبؤة هي تمثيل للبؤر المريضة التي وظفها الاحتلال وجاء بها من مواخير الرذيلة في لندن واميركا وفرنسا ومن عديد المدن العربية التي أحتضنت هذه البؤر كل يعزف على ليلاه ولاغراضه وحساباته القاصرة.
كان العراق غنيا .. صار مفلسا ومدينا
كان العراق امنا .. فقتل من ابناءه لحد الان ومنذ سنة الغزو ٢٠٠٣ ما يربو على ٢ مليون انسان وما زال القتل مستمرا.
كان العراق يتقدم .. صار العراق بفعل الغزو والعملية السياسية الاحتلالية محض أشباح للخراب والبؤس .
كان العراق يقرر .. صار بعد الغزو عراق بلا قرار.
كان العراق أمة.. صار العراق بعد الغزو ميليشيات وبؤر ارهاب ومافيات وكانتونات مكونات متشرذمه قبيحة اللغة والثقافات والمظهر .
كان العراق يسير نحو غد واضح الملامح .. حولوه الى طوائف ومكونات عرقية كل منها يتبع دولة ويذهب باتجاه مذهب لا وجود بينها للايمان ولا الاسلام ولا العروبة.
كان العراق حصنا لنفسه وللامة العربية…. صار بعد الغزو ساحة مفتوحة مستباحة وفقدت الأمة جل مقومات أمنها وسيادة أقطارها .
كان العراق قبل الغزو دولة يحسب لها الف حساب عالميا..صار بعد الغزو من بين أكثر دول العالم فشلا وفوضى وانعدام لمقومات الحياة.
نحن شعب العراق.. نرى ان ما حل بوطننا على أيدي الغزاة والاحزاب والمليشيات الطائفية الفارسية وغيرها هو عار على أميركا وسقوط لقيم الانسانية والرجولة والحياء والدين والشرف وانغماس في الرذيلة والوضاعة والدناءة والفساد لمن مد يده وعاون الاحتلال وخاض في عمليته السياسية الاجرامية .
ونرى:
ان الخلاص الحقيقي للبلاد والعباد في عراقنا المفدى لا يتم الا بطرد الاحتلال الايراني والامريكي وانهاء العملية السياسية التي أنجبها الاحتلال وعصفت بالعراق ودماء شعبه وخيراته وعممت المجازر والفواجع والكوارث والدمار الشامل واخرها ما يجري الان من تدمير ممنهج للموصل الحبيبة وشعبها الأبي .
الله أكبر والنصر المؤزر لمقاومتنا الوطنية والقومية والاسلامية . وسيرى الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.