دبابة فرنسية داست المتظاهرين
النضال ضد المستعمر قادته أسماء ظلت راسخة في ذهن ووجدان اللبنانيين وحُفظت مآثرهم في كتب التاريخ وفي الذاكرة الوطنية، لكن ماذا عن أولئك الذين لم يبخلوا على الوطن بالجهد والتضحية والشهادة ونسيهم التاريخ أو لنقل غيبهم فلم يصلنا من إنجازاتهم إلاّ لماماً..
المناضلون الطرابلسيون المنسيون
في ذكرى الإستقلال لا بد ان نفتح باستمرار ملف المناضلين الشهداء الطرابلسيين المنسيين ونتوقف عند مآثر وشجاعة هؤلاء الأبطال في مواجهة دبابات المستعمر ومساهمتهم الكبرى في الوصول إلى الاستقلال الناجز وإلى هذا التاريخ العظيم الذي نحيي اليوم بفخر واعتزاز.
إنتفاضة طلاّب طرابلس
ومن التضحيات المنسية والتي تقف عندها المراجع وغابت عن الوثائق التاريخية وكانت الكتابات عنها شحيحة هو دور انتفاضة طلاب طرابلس ومجزرة شهداء الدبابات الفرنسية الذين استشهدوا في 13 تشرين الثاني 1943.
والمؤسف أن نوائب الزمن وكوارث الدهر والاهمال بطمس تضحياتهم فأحتلوا زوايا النسيان!!
معلومات يتداولها أبناء المدينة ود. الرافعي
وتشير الأحداث التاريخية التي يتداولها المتقدمون من أبناء المدينة وفي طليعتهم د. عبدالمجيد الرافعي أنهم فوجئوا في ذلك اليوم بقيام جيش المستعمر باعتقال قادة الاستقلال ومنهم الزعيم عبدالحميد كرامي، فتجمع المواطنون في «الجامع المنصوري الكبير» الذي غصّ بالحشود في الداخل والخارج احتجاجاً على ما أقدم عليه الفرنسيون. مطالبين بالإفراج الفوري عن القادة المعتقلين وإعلان الاستقلال الناجز، وفي صبيحة اليوم التالي السبت 13 تشرين الثاني 1943 خرج طلاب «دار التربية والتعليم الإسلامية» وتجمعوا في «مسجد الأمير سيف الدين طينال»، وانطلقوا من هناك بتظاهرة حاشدة جابت شوارع المدينة مروراً بشارع المصارف و«ساحة السلطي» حيث كانت الدبابات والمجنزرات الفرنسية بانتظارهم على أرصفة الطرقات.
السائقون لها من الجنود السنغالييين الذين تلقوا أوامر ضباطهم الفرنسيين بالتحرك نحو الطلاب وهم جميعهم من الأطفال لا يتجاوز عمر أكبرهم 15 سنة.
وبالفعل واجهت الدبابات الفرنسية المتظاهرين وداست أجسادهم مرتكبة مجزرة مروعة ومشهودة.
حيث استشهد 14 طالباً وجرح أكثر من 25 آخرين.
وتقول المعلومات التاريخية نفسها ان أحمد ظافر الخطيب نام في وسط الطريق ليعرقل سير الدبابات فمرت من فوقه دون ان تدوسه ونجا من الموت بأعجوبة.
وأن إحدى الدبابات لاحقت طفلاً من عائلة هاجر وحشرته أمام جدران أحد الأبنية وبترت يده.
وأن مواطناً طرابلسياً كان يركب دراجته الهوائية تلقى رصاصة أطلقها باتجاهه أحد الجنود أردته على الفور.
وأن الدبابات الفرنسية إرتكبت في هذه المجزرة جريمة كان ضحيتها 14 شهيداً من أطفال وتلامذة طرابلس.
الشهداء
وهم: سليم صابونة، أحمد صابر كلثوم، رشيد رمزي حجازي، فوزي قاسم شحّود، محمد ثروت، عبدالغني أفيوني، عباس إبراهيم حبوش، محمد علي حسين خضر، عبدالقادر مصطفى الشهال، كمال عبدالرزاق ضناوي، وديع خاطر بركات، أحمد جوجو، محمد حسين المحمد، وسليم الشامي.
ولعل في إهمالهم وتغييبهم مع الواقعة والمجزرة ما يشير إلى مسؤولية القيادة السياسية التي اهملتهم فنسيتهم إدارات ومؤسسات المدينة (!!!)
لتغدو مقابرهم عنواناً لمصادرة دور طرابلس وتهميش شراكتها السياسية في صنع الاستقلال على غرار ما تواجهه اليوم من تهميش سياسي واقتصادي واجتماعي بات يصنفها من بين أسوأ المدن على ساحل المتوسط...