قال الله تعالى في محّكم كتابه العزيز "بسم الله الرحمن الرحيم: ألم نجعل له عينين ولسانا وشفتين وهديناه النجدين" صدق الله العظيم، ولما منح الله الإنسان عينين وأذنين ولسانا واحدا، فذلك لم يكن اعتباطا ولا عبثا، بل هو عمل ذو مغزى كبير علينا أن نفكر فيه مليا، أنا لا أريد منافسة علماء الدين والمفسرين، ولكن أمنح نفسي مساحة صغيرة جدا في تفسير المقصود من اللسان الواحد والعينين والأذنين والنجدين.
العينان تريان الواقع كما هو من حق وباطل وما هو سيء وجيد وما هو جميل وقبيح، والأذنان تسمعان كل الأصوات اللطيف منها والمنكر الحق والباطل الصدق والكذب، ولكن هداية الله الإنسان النجدين تحتم عليه قول الحق بلسان واحد لا يستطيع أن يقول النقيضين في وقت واحد.
وهبني الله عينين وأذنين ولسانا، فيجب أن أسخرهما لما رسمهما الله لهما من مهمات، أمامي شاشة كبيرة أرى وأسمع بالصورة والصوت، ولما لم يعد الزمن زمن خطابة بالقول الصادق والمنصف، بل تحول القول إلى القلم والورق ثم انتقل أخيرا إلى الحواسيب والفضائيات والصحف ومواقع التواصل الاجتماعي فقد صار الساكت عن الحق شيطانا أخرسا كما كان على مر العصور، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم"من رأى منكم منكرا فليغيره بيده وإن لم يستطع فبلسانه ومن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان" وقال صلى الله عليه وسلم "أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر".
ولما كان كثير ممن يرى باطلا وينكره ولا يستطيع قوله شفاها، يستطيع الآن تدوين وجهات نظره بصراحة تامة خاصة وإن كثيرا من الناس يستخدمون أسماءً مستعارة وبالتالي الأصل في الفكرة هو إيصالها للمعنيين، على الرغم من ان كثيرا من السلاطين لا يسمعون ولا يبصرون وإن سمعوا وأبصروا تأخذهم العزة بالإثم فيصرون على طريق الغي وبعضهم يتمادى في ظلمه وباطله ومنكره وكأنه يريد أن يقول أنه فرح بما أتى ويريد أن يحمد على ما لم يفعل من خير.
شخصيا أكتب باسمي الصريح وأتحمل مسؤولية ما أكتب وأضع صورتي مع كتاباتي وأتحمل بسببها عنتا من القريب والبعيد، بعضهم وعندما أكتب عن خطر المشروع الإيراني التوسعي التدميري وانتقاله من العراق وسوريا إلى دول الخليج العربي ككل وخاصة استهدافه للمملكة العربية السعودية بالقدر الأكبر من نوايا الشر الذي لم يعد يستبطنها وإنما ارتفع صوتها أكثر مما تسمح به العلاقات الدولية في وقتنا الراهن وعندما أرفع صوتي مطالبا السعودية بأخذ الاحتياطات لدرء الخطر القادم إليها من دون أن يلوي على شيء توجه أصابع الإتهام بين الشتائم تارة وبين القبض من دول الخليج بالدولار الأمريكي، وأقرأ تعليقات مرتاحة لتلك الأطروحة، ولكن عندما أقسو على استمرار الغفلة الخليجية وعدم ارتقائها إلى مستوى التحدي الفارسي الشيعي تنقلب الصورة رأسا على عقب فأرى أن من اتهمني بالقبض من دول الخليج قد تحول إلى متبنٍ لما أقول ويكيل المديح لما أكتب، وهكذا أتقلب بين مواقف عاطفية من القراء وكأنني ما أكتب إلا لشتم هذا الطرف أو ذاك أو إطراء هذا الطرف أو ذاك، لكل هؤلاء أقول بأمانة من عرف الحقد الإيراني بوجهيه الطائفي والعرقي وخَبِرَ مباشرة ويلاته في عشرين سنة من العذاب " والمعاملة الإسلامية" والانقطاع عن العالم الخارجي وعن الوطن والأهل، وأكتب وأنا أراقب بعين المشفق على الأمة العربية أنها لم تدرس كما ينبغي درس العراق ولم تتزود منه بالعبر وواصل بعضها حياة إنصال حكامها عن مجتمعهم واستمرأوا حياة الترف والبذخ والإسراف من دون أن يلتفتوا إلى الخطر المحدق ببلدانهم معتمدين على تعهدات حماية أمريكية مزيفة على الرغم من أنهم يعرفون أن أمريكا هي عدو يختزن الكثير من الكراهية والاحتقار للأمة العربية والاستخفاف بها ولا يرون فيها إلا سببا في غزو أوروبا قبل عدة قرون وتهديد دينها، وما زالت هذه الدوافع هي وحدها مع أسباب مستحدثة المحرك لكل ما يستبطنه الغرب من كراهية ويحرك عوامل التمييز العنصري والديني ضد العرب والمسلمين.
كثير من الحكام العرب يأبون المصالحة مع شعوبهم وتقديم التنازلات لها تكبرا وجهلا، في حين أنهم يستسهلون ذلك لعدوهم الحقيقي ويحسبون ذلك حنكة دبلوماسية مع الخارج وحزما حتميا كواحد من مستلزمات الحكم مع الداخل وفي الحالين يرتكبون خطأ قاتلا وهو أول خطوة على طريق التلاشي والإنكسار وانهيار النظم السياسية ومجيء المجهول الذي لا يختلف عما يعيشه العراق واليمن وسوريا وليبيا من سقوط الدولة وقيام حكومات ودول الطوائف والأعراق والمذاهب المتناحرة، يستغل بعض الحكام العرب هذا الاستنتاج للتمسك بالحكم من دون إدخال إي تعديل على مساراته وركائزه وأساليبه المعتمدة بمؤسساته البالية أو إنعدام المؤسسات أصلا، وكأن حكمهم خالد إلى الأبد، ويتجاهلون أن أعظم تجربة في تاريخ العرب وهي تجربة الخلافة الراشدة لم يكتب لها الاستمرار على الرغم من كل الألق الذي رافقها، لأسباب ليس هذا محل الدخول فيها ولكن هؤلاء الحكام يجب أن يدرسوا تجاربهم وتجارب غيرهم والأخذ بأحسنها، والحكيم هو من انتفع بأخطاء غيره، والسفيه والبليد هو من لا يستطيع الانتفاع حتى من أخطائه هو، أنا أكتب لمن يقرأ بعقل مجرد من الناصب والجازم ويفهم أن ما أطرحه أمامه هو خلاصة تجربة حياة تقلب صاحبها بين المسؤولية الوظيفية والأخلاقية لدولة كانت حريصة على تشخيص الصواب وتنميه وتحديد الخطأ وتطويقه، ليس بهدف الانتقام من المخطئ بقدر ما هو لتقويم الإعوجاج ودرء المفاسدلم أكتب في مطلع عمري من حافز الانتفاع فهل أفعل ذلك وقد شارفت على الرابعة والسبعين؟
ربما يذهب البعض إلى الاعتقاد بأنني دعوت أو أدعو إلى أن تتحول دول الخليج العربي إلى بقرة حلوب أو إلى مطعم وجبات سريعة لإطعام الكسالى في الوطن العربي والعالم وكأنها جمعية خيرية أو وكالة دولية لإغاثة المتسكعين وغير الراغبين في العمل المنتج، هذا لم يخطر على بالي يوما، ولكنني كنت أريد من دول الخليج القضاء على مظاهر البذخ والترف والفساد الذي يعيشه المقربون من الحكم في الداخل أو الخارج، وكنت أريد من هذه الدول أن تنصرف أولا إلى مشاريع تنموية في الداخل للقضاء على أحادية اقتصاد النفط، والبحث عن مصادر إضافية للدخل القومي، ثم تعتمد على سياسة استثمارية في الوطن العربي بصرف النظر عن المواقف والعلاقات السياسية طالما أن الأمر يتعلق بالإنسان العربي، وتستغل خيرات البلدان التي تتوفر فيها من دون منة أو تعال على الطرف المستفيد، وبإشراف مركزي مشترك كي لا تذهب الأموال المخصصة لمشاريع التنمية إلى جيوب الفاسدين من المسؤولين، وربما من حق دول الخليج العربي أن تطلب ضمانات قانونية لحماية استثماراتها العربية من أجل استقرار الأمن الاستثماري من جهة وإغراء الدول المقرضة على مشاريع التنمية الخارجية في إدامة نهجها هذا بعيدا عن كل أشكال التهديد نتيجة التقلبات السياسية الدراماتيكية التي يشتهر بها الوطن العربي.
هذا قطعا أفضل ألف مرة من وضع الفوائض المالية الخليجية الرسمية والشخصية تحت تهديد المزاج الأمريكي المستند على عقلية رأسمالية جشعة وتبحث عن مزيد من أدوات الضغط على دول الفوائض، إما لإجبارها على اتخاذ مواقف سياسية أكثر انسجاما مع الرغبات الأمريكية، أو التراجع عن مواقف أخرى لا تنسجم مع المزاج الأمريكي العام.
أعتبر نفسي كاميرا محايدة تنقل المشهد كما هو مع انحياز حقيقي للإنسان العربي والحق وتتعامل مع الظواهر وتشيد بالإيجابي منها وتسعى لتنميته وتنتقد السلبي والخاطئ منها وتشخص أسبابه وتعرض الحلول وفقا لرؤية مجردة عن أي غرض مع أو ضد ولا إحرق البخور لأحد كائنا من كان ولا ألقي عليه وقودا لإحراقه من دون سبب، ولا يوجد من يصدر لي التوجيهات ولهذا يراني البعض انقد تارة بحدة وتارة أخرى أشيد وبقوة، فالأمر يتعلق بقناعاتي لوحدها وفق رؤية أخلاقية منحازة للعربي حيثما كان، وطامحة أن ترى الوطن العربي قد احتل مكانه تحت الشمس قوة ثالثة في العالم تفرض حضورها بقوة الحق والحجة ومتانة الأخلاق والاقتصاد بحيث لا فصل بين هذه القيم والمفاهيم أبدا.