من لم يلاحظ ان ما سمي ب( عملية تحرير الموصل ) قد تأخرت كثيرا والان توقفت تقريبا يصعب عليه فهم الهدف الحقيقي للعملية وهو باختصار تعمد عدم تحرير الموصل والعمل على تدميرها بشرا وعمرانا باسم تحريرها كما حصل لكافة مدن العراق التي انسحب منها داعش ومع ذلك بقيت المدفعية والطائرات تقصفها وتقتل اهلها المدنيين وتدمر بيوتهم ووسائل عيشهم ثم دخلت ميليشيات الحشد الشعوبي لتحرق ماتبقى وتقتل وتخطف المئات من كل مدينة وهو ما حصل في الفلوجة والصقلاوية وكل الانبار وقبلها في صلاح الدين وديالى ومحيط بغداد . الان جاء دور تدمير الموصل وتقسيم نينوى الى خمسة او ستة دويلات تحت تسمية اقاليم وهو جزء اساس من المخطط الصهيوامريكي الاصلي ، فكيف حدث ذلك وتحت اي غطاء ؟
1-يجب ان نتذكر جيدا ان الادارة الامريكية هي التي ضبطت توقيتات معركة الموصل وخطواتها فهي التي دربت قوات خاصة للقيام بهذه العملية على اعتبار ان ما يسمى ب( الجيش والشرطة الاتحادية وقوات مكافحة الارهاب) غير مدربة بطريقة صحيحة فقامت بتدريبات طويلة جدا وبأشراف ضباط امريكيين وعندما انتهت التدريبات اعلنت الادارة الامريكية ان القوات العراقية اصبحت جاهزة لخوض معركة الموصل .
2-لم تكتفي امريكا باعداد القوات بل ارسلت نخبة من قواتها الى العراق للمشاركة في المعارك على الارض ولم تكتفي بالدعم الجوي ، وظهرت صور تلك القوات في شمال العراق وهي تقود مركباتها واحيانا تشارك في العمليات العسكرية ، لهذا فاعلان بدأ معركة الموصل كان مفترضا به ان يكون مبنيا على انتهاء كافة الاعدادات المطلوبة لنجاح الهجوم في اخراج داعش من الموصل .
3-وزادت امريكا على ذلك فعينت قائدا عسكريا اعدته منذ سنوات ولم يكن من بين قادة الجيش الحكومي وهو اللواء نجم الجبوري والذي وعد بانه قادر مع قواته على تحرير الموصل .
4-ودعمت اطراف اقليمية ودولية الاستعداد لخوض معركة الموصل بتدريب قوات الحشد العشائري وقوات اخرى واعلنت انها ستشارك في معركة الموصل وكذلك قوات البيشمركة التي استلمت دعما عسكريا ضخما وحصلت على تدريب عسكري متقدم بواسطة القوات الامريكية .
5-وعلى مستوى اعلامي ورسمي لم تخفي امريكا ولا حكومة حيدر العبادي ولا اسرائيل الشرقية ، وهي ايران ، انها اعدت اكثر من 120 الف مقاتل من القوات الرسمية والحشد الشعوبي وان تلك (القوات قادرة على تحرير الموصل خلال ايام ) . ودعم كل ذلك بدخول قاسم سليماني مع قوات ايرانية الى العراق مع بدء معركة الموصل وتولى ادارة قوات الحشد الشعوبي .
والسؤال الذي يطرحه كل عراقي الان وبعد مرور حوالي الشهرين على بدء المعركة هو : لم تأخرت عملية تحرير الموصل ؟ او للدقة لم اخرت العملية وتوقفت الان ؟ للجواب علينا ان نتذكر ما يلي :
1-ان غزو امريكا للعراق هدفه تقسيم العراق طبقا لمخطط قديم تجدد في السبعينيات واخذ ينفذ في الثمانينيات بوصول خميني للحكم ، من هنا فان تقسيم العراق يتطلب اعدادا نفسيا وتغييرات جوهرية في المفاهيم والمواقف السياسية . وكانت التحولات منذ مطلع الثمانينيات تصب باتجاه واضح : اعداد البيئة لتقسيم العراق ليكون ذلك مقدمة لتقسيم باقي الاقطار العربية .
2- وكي يقسم العراق لابد من اشعال فتن داخلية طائفية وعرقية وجعلها تدمر اسس اللحمة الوطنية وتحقق انهيارات اقتصادية نتيجة الانغماس في الفتن والحروب الاقليمية والداخلية ، وهو ما حصل نتيجة حرب خميني التي فرضها على العراق وتوالت الكوارث حتى وصلنا الى ما سمي بالربيع العربي والذي كان المحرقة الاكبر التي دمرت ركائز الاستقرار والوحدة الوطنية وزرعت الفوضى الهلاكة في اغلب الاقطار العربية .
3- تدمير المدن وقتل اكبر عدد ممكن من البشر من بين اهم اهداف امريكا والاسرائيليتين الشرقية والغربية لان المطلوب هو تهجير ملايين العرب وجلب سكان غرباء بدلا عنهم خصوصا من اسرائيل الشرقية واحلالهم محل العرب لان الهدف هو القضاء على الهوية القومية العربية واحداث تغييرات سكانية كبيرة ، فلم يكن ممكنا تهجير حوالي عشرة ملايين سوري وستة ملايين عراقي من وطنهم من دون تدمير المدن والخدمات وجعل القتل ظاهرة تحصل كل دقيقة وتحصد ارواح الاطفال والنساء والشيوخ بلا رحمة مقترنة بعمليات اغتصاب جماعي للنساء والرجال والاطفال ، وتحقيق هذا الهدف يوفر الحالات النفسية المطلوبة لتقبل الحل الاقل سوء وهو التقسيم والفدرالية والكونفدرالية . اضافة لذلك فان الشركات الامريكية وغيرها ترى في تدمير المدن فرصة فريدة لتحقيق ارباح بتوليها عمليات الاعمار بعد الخراب وكلما زاد الخراب زادت الارباح .
في ضوء ما تقدم هل يمكن فهم اسباب التأخير المتعمد لحسم معركة الموصل ؟ ان التأخير المتعمد في حسم معركة الموصل جزء من الخطة الامريكية وهنا تختلف خطة امريكا عن خطة اسرائيل الشرقية ، ففي حين ان امريكا تريد تدمير المدن بصورة كاملة وقتل اكبر عدد ممكن من المدنيين تحت غطاء تصفية الدواعش فان طهران تريد مثل امريكا ابادة السكان العرب باكبر قدر ممكن مع تهجير البقية ولكن تختلف عن امريكا برغبتها بوجود قدر معين ومحدود من تدمير المدن وليس كلها لانها تريد جعلها مسكنا للايرانيين والافغان والباكستانيين وعراقيين من خارج الموصل بعد اصلاح ما خربه الهجوم ، ولهذا كانت طهران تريد حسم المعركة بسرعة وبقسوة متطرفة على اهل الموصل وهو ما رايناه في معارك الحشد الشعوبي في اطرافها .
ان حجة مقاومة داعش الشرسة ليست سوى غطاء لاطالة المعركة وتحقيق اهم الاهداف وهو قتل اكبر عدد من اهل الموصل واجبارهم على الهجرة منها كما حصل في سوريا وبالذات في حلب حيث اعقب اخراج المدنيين الباقين وتهجيرهم الى مناطق اخرى جلب سكان اخرين وتقديم البيوت والمدينة لهم ! ان توقف معركة الموصل ليس ناتجا عن الضعف العسكري فتلك كذبة كبيرة تؤكدها حقيقتان اساسيتان الحقيقة الاولى ان روسيا قد اثبتت بأنها قادرة على الحاق دمار حاسم وسريع بالمعارضة السورية بواسطة القوة الجوية عن طريق ضربها بالقلب بعكس امريكا التي تعمدت ضرب داعش بالريش وليس بالقلب من اجل اطالة الحرب وضمان عدم توقفها .
الامر الثابت الان هو ان دخول روسيا معركة سوريا اكد ان لامريكا مصلحة في منع حسم الحرب في سوريا والعراق واليمن وليبيا وانها مصممة على ادامتها حتى الوصول الى تهجير الملايين من العرب الى خارج وطنهم واكمال تدمير مدنهم تدميرا شبه شامل كما حدث في حلب . وكان بامكان امريكا لو ارادت حقا ان تدمر داعش بتكثيف العمليات الجوية مثلما فعلت روسيا في سوريا .اما الحقيقة الثانية فهي ان امريكا لها مصلحة في قيام قاسم سليماني والحشد الشعوبي بأكبر قدر من المجازر ضد اهل الموصل وتهجيرهم لاكمال المهمة وهي انهاء عروبة الموصل وهو هدف امريكي صهيوني ايراني مشترك ومن ثم تحميل قاسم سليماني والحشد الشعوبي مسؤولية الجرائم التي ارتكبت وتبرئة امريكا منها .
والان وبعد استنزاف القوات الحكومية بصورة مخططة وسقوط الاف القتلى من الجانبين وتدمير اجزاء كبيرة من الموصل من مصلحة امريكا اعادة اعداد قوات اضافية لاجل مواصلة تدمير الموصل بشرا وعمرانا وزيادة التكلفة البشرية والمادية لمعركتها ، وهذه الحقيقة يجب ان لا تغيب عن البال في كل لحظة من تطور الاحداث لانها تفسر لنا غوامض ما يجري . وهناك قضية بالغة الاهمية وهي ان هناك كتلا وطنية شعبية موصلية ومن محيطها تملك خبرات وامكانيات قتالية مهمة اعلنت قبل بدء المعركة انها على اسعداد لمقاتلة داعش وضمان تحرير الموصل بأقل الخسائر وبأسرع وقت ولكن امريكا واسرائيل الشرقية نظرتا بصورة سلبية لهذا الموقف واصرتا على انفراد الحكومة وبدعم امريكي ايراني بعملية اخراج داعش ، لان المطلوب امريكيا هو عدم الحسم وابقاء الحرب دائرة حتى اكمال تدمير الموصل كليا وتهجير اهلها ، بينما المطلوب ايرانيا هو جلب سكان اخرين ليحلو محل اهل الموصل الاصليين وهذا يتناقض مع مشاركة اهل الموصل ومحيطها في المعركة لانهم سوف يتولون مسك الارض ولا ينسحبون من احياءهم ودورهم وقراهم مما يعرض مخطط التغيير السكاني للموصل الى الفشل لذلك رفضت مشاركة اهل الموصل في المعارك ومن اشترك كان تابعا ومنفذا لاوامر امريكية او ايرانية . وهذه الحقيقة تؤكد ان المطلوب ليس تحرير الموصل بل تدميرها وتغيير هويتها القومية .
ان مأساة اهل الموصل تشبه مأساة اهل حلب من حيث المعاناة الانسانية القاسية فقد قتل الالاف من الموصليين وهذه الاعمال تخدم امريكا ايضا لانها تزرع نزعات الثأر بين اهل الموصل ذاتهم كما تزرع ثأرات بينهم وبين المناطق التي جاء منها الحشد وتبقى الثأرات لعقود من الزمن وهذا يفسر سبب بطء الصراع وبرمجته ليبقى بطيئا ومدمرا باكبر قدر ممكن للبشر والعمران وبقوة نيران داعش والحكومة وامريكا.
الواجب الوطني لمن لديه احساس وطني عراقي وانساني عام من قوات الشرطة الاتحادية وغيرها الوقوف ضد ابادة ملايين العراقيين والتعاطف مع اهل نينوى ومنع الاساءة اليهم وتخفيف مأساتهم الانسانية والتمسك بمصلحة العراق.
Almukhtar44@gmail.com
22-12-2016