عاد زهير البيرقدار الى سوريا رغم انف نغل الفرس بشار ، عاد ممتطيا صهوة جواده الاشقر وصهيله يتزاحم مع دفقات نور الفجر ، وكانت اول محطاته خرائب حلب تجول فيها متفحصا خرائب كانت شققا جميلة تزدهر فيها قهقهات الاطفال ! عاد الى سوريا بعد معاناة طويلة من المرض والاشد كانت عذابات الغربة مثل ملايين العراقيين والسوريين ، رحيل زهير البيرقدار يمثل مأساة امة كاملة حيث تموت الازهار التي تفتحت في دمشق لكنها تيبست وذوت في صحارى الثلج ! وهو ماكان لا يخطر على بال ! تعرفت على الراحل الكبير زهير البيرقدار في بغداد في السبعينات وكان باسما ودودا مهذبا يمثل جيل البعثيين الاصلاء الذين يقدمون في سلوكهم انموذجا للعربي الاصيل الحالم بوحدة الامة العربية وتحررها ونهوضها الحضاري لتعود امة الابداع والتقدم ، لكن مأساة زهير تكمن في انه وجد نفسه في غربة قاسية زاد وحشيتها المرض .
بعد غزو العراق اذكر انه اتصل بي وكان مريضا وتحدثت معي زوجته الفاضلة د. هالة من المانيا ثم تحدث معي وكان يريد الاطمئنان على العراق ومصيره ويعرف ما حدث ، كان زهير البيرقدار كما هو قوميا عربيا اصيلا لم تغيره الغربة ولا المرض وبقي يواصل قدسية العيش في قلب الحلم القومي رغم قساوة الواقع ، كانت لهفته على معرفة ما يجري تطغى على ارتعاشات صوته المصروع بقوة الالم والمرض . كان زهير البيرقدار سفيرا للعراق مثل نخبة من العرب المنتمين لتونس وسوريا ولبنان اختارتهم قيادة العراق ليكونوا سفراء للعراق ، كانت الامة في ذروة مدها القومي ولهذا دهش حتى بعض القوميين العرب من تعيين سفراء للعراق من اقطار عربية اخرى ، وكانت قيادة العراق تبعث برسالة واضحة جدا : الامة العربية يجب ان تتوحد والخطوة الاولى تبدا بتجسيد هدف الوحدة العربية بسلوكنا الفعلي ، فكان تعيين سفراء للعراق من اقطار عربية اخرى هي تلك الخطوة التي لفتت انظار الكثير من القوميين العرب الذين بقي حلم الوحدة العربية يداعب مخيلتهم لكنه انزاح بتأثير التراجعات التي حصلت فجاء العراق ليعيد الامل ويعزز القناعة ويسقي الزهور لتنمو وتكبر وتعود ايام وحدة مصر وسوريا وبحلة ابهى ووضوح اكبر .
زهير البيرقار بقي امينا على عروبته واسيرا لاخلاقيات انسان لا يحافظ على كرامته الانسانية الا بالتمسك بقيمها ومبادءها . رحل زهير البيرقدار قبل ان يرى العراق محررا وقبل ان يرى سوريا تستعيد عافيتها وتنظف ازقتها من حثالات الصفويين ، لكن رفاقه باقون على العهد لا تراجع عن وعد (لبيك ياعلم العروبة كلنا لك الفدى ) مهما كان الثمن وبلغت التضحيات فامة يبدأ قادتها بالتقدم للشهادة بلا تردد لن تقهر ولن تهزم مهما بلغت قوة التحديات ، وسينهض العراق صقرا صداميا يرتعب منه الجلاد وهو يحلق في سماءات زرق كعين طفل مصلاوي اغتالته ميليشيات الحشد الشعوبي ، وستقف سوريا فوق اطلال حلب لتبني نفسها وتعيد عشرة ملايين سوري هجروا بقوة المطامع الفارسية ، و ستصدح اليمن باغان لحنت قبل عشرة الاف عام ، وسيعود عمر المختار الى ليبيا ليوحدها تحت راية العروبة وعندها سوف تغني القدس ويعود خمسة ملايين فلسطيني الى وطنهم .
الوحدة العربية حلما كانت وهدفا قوميا كانت ، والان انتهى الحلم باستيقاظنا منه على هدير مدافع برابرة الزمان ، بقيت الوحدة العربية هدفنا السوبرستراتيجي الذي لا مستقبل لنا ولا حياة تنبض في عروقنا بدون تحقيقه ، فاطمئن يازهير فرفاقك على العهد وهم رجال الوعد ، لاتراجع ولا انحناء الا لله ،الغد لنا حتما .
الرحمة لزهير البيرقدار والصبر لعائلته ومحبيه .
Almukhtar44@gmail.com
28-12-2016