تتواصل حملات التّضليل المتبادلة بين الولايات المتّحدة الأمريكيّة وإيران وتتكاثر التّحرّشات من هذا الجانب ومن الاخر، وتترافق مثل هذه الحملات دوما بالتّراشق بالكلمات والاتّهامات وتتصاعد لتبلغ ذروتها بالتّهديدات المبطّنة حينا والصّريحة أحيانا من هذا الفريق أو من ذلك الفريق.
وفي الحقيقة، فإنّ طبيعة العلاقة بين الطّرفين تميّزت دوما بعدم الوضوح على الأقلّ في مستواها الظّاهر والمعلن منها، فلقد حافظ الجانبان على عداء ظاهر خدّاع لا يتفطّن إليه غير العارفين بالعقيدة التي توجّه سياساتهما.
ولقد اشتدّ غموض طبيعة تلك العلاقة منذ اختطف الخميني ثورة الشّعوب الإيرانيّة، وأطلق شعاراته البهلوانيّة مثل " الشّيطان الأكبر " و " الموت لأمريكا، والموت "لإسرائيل " "، لتصبح ذلك العداء المتبادل ظاهريّا على الأقلّ عرفا لا مجال لتجاوزه.
سقطت مع الأيّام أكاذيب هذا العداء منذ فضحة إيران غايت والتّعاون التّسليحيّ بين الكيان الصّهيونيّ ونظام ولاية الفقيه برعاية ومباركة امريكيّة مباشرة، وازدادت فضائح التّنسيق المتقدّم بين الملالي وواشنطن منذ عام 2003 والذي اقترن بغزو العراق حيث انجلت الحقيقة بلا مخاتلة ليلامس الرّأي العامّ العربيّ والإسلاميّ والدّوليّ مدى تشابك المصالح بين الولايات المتّحدة المريكيّة وإيران ومدى انضباط نظام ولاية الفقيه لأوامر الإدارة الأمريكيّة.
إنّه وبالعودة مثلا للملفّ النّوويّ الإيرانيّ، ولما رافقه طيلة سنوات من تهديدات أمريكيّة وصهيونيّة بتوجيه ضربة قاصمة لإيران لم تزد في حقيقتها عن الدّعايات والفرقعات الإعلاميّة للتّعمية عن الغايات الحقيقيّة لإبقاء طبيعة التّحالف الوثيق بين هذا الثّلاثيّ العنصريّ المتغطرس مخفيّة، وبالرّجوع لتسوية هذا الملفّ من خلال الاتّفاقيّة الدّوليّة بشأنه، يتّضح بجلاء كبير سفه وكذب التّهديدات الجديدة المتبادلة سواء من أمريكا أو من إيران.
لقد أبقت الولايات المتّحدة الأمريكيّة سيف العقوبات على إيران - وهو سيف خشبيّ في جوهره - مشهورا بوجه إيران رغم كلّ التّسويات والتّنسيق المتين بينهما في أكثر من ملفّ وعلى أكثر من واجهة، كما حافظ أقطاب المنظومة الحاكمة في طهران سواء الدّينيّة أو السّياسيّة أو العسكريّة على تهديدات إيران بالرّدّ المناسب على أيّ قرار من شأنه ضرب مصالح بلاد فارس. ويتّضح ذلك خصوصا من خلال خطاب المرشد الأعلى لدولة ولاية الفقيه الخامنئي أواخر شهر نوفمبر المنقضي والذي هدّد فيه بردّ إيرانيّ مؤكّد في حال مصادقة الكونغرس الأمريكيّ على تمديد العقوبات على بلاده، واقتدى حسن روحاني بسيّده الوليّ الفقيه ليهدّد أمركيا بردّ سريع على أيّ خطوة امريكيّة بهذا الصّدد ومحذّرا إيّاها من المسّ ببنود الاتّفاق النّوويّ.
إنّ هذه التّحرّشات المتبادلة بين الولايات المتّحدة الأمريكيّة وإيران تتنزّل في سياق إخفاء التّماهي واللّقاءات المشتركة على أكثر من مستوى، وما هي في الحقيقة إلاّ لتقليل الضّغوط المناوئة للمرامي الفعليّة التي يسعى الطّرفان لبلوغها.
فأمريكا وإيران يحتفظان بتنسيق لا نظير له خصوصا في السّاحة العربيّة ويتبادلان الأدوار والسّياسات من قٌطر لآخر، حيث تصمت مثلا الولايات المتّحدة الأمريكيّة عن اغتصاب الفرس للأحواز العربيّة وتغمض العين عن كلّ جرائم الفرس ضدّ شعب الأحواز وأرضها وتاريخها، بل وتختفي شعارات الدّيمقراطيّة وحقّ تقرير المصير كلّما تعلّق الأمر بمظلمة الأحواز العربيّة.
ويتعمّق كذب إنكار التّنسيق والتّحالف الوثيق بين إدارات الشّر والمخطّطات الشّيطانيّة ذات النّزعة العنصريّة بين الجانب الأمريكيّ والجانب الفارسيّ ومن خلفهما ومعهما الصّهيونيّة العالميّة، في العراق خصوصا وسوريّة واليمن بدرجات أقلّ حدّة.
ففي العراق، تدين الولايات المتّحدة المريكيّة للفرس بالتّسهيلات الجمّة التي قدّمتها ولاية الفقيه لجيوش الغزو البربريّ عام 2003 حسب التّصريح الشّهير لوزير خارجيّة طهران الذي أكّد فيه على أنّه لولا المساعدة والدّور الإيرانيّين الكبيرين لما نجح الأمريكان في احتلال أفغانستان وخصوصا العراق، وهو ما عزا بأمريكا لتسليم العراق للفرس بعد هروبها منه تحت ضربات المقاومة العراقيّة الباسلة عام 2011 وباركت سلسة الجرائم المخزية والفضائح المدوّية التي ارتكبتها ولا تزال ولاية الفقيه وأذرعها العسكريّة وخصوصا فيلق القدس وأجنحتها الميليشياويّة الطّائفيّة بحقّ العراقيّين العزّل..
وفي سوريّة التزمت إيران من جهة بتمكين أمريكا وحلفائها من إنهاك نظام حليفها الاستراتيجيّ في دمشق، كما سمحت امريكا لروسيا وريثة غريمها التّقليديّ الاتّحاد السّوفييتيّ بالحضور بقضّها وقضيضها استجابة لرغبات طهران.
وهكذا، اتّفق الفرس والأمريكان تحت الطّاولة على تذبيح العروبة وتصفية العرب. فسهّلت إيران الفارسيّة الصّفويّة العنصريّة للأمريكان استباحة الوطن العربيّ لما يشكّله إنهاك المجتمع العربيّ وتخريب النّسيج المجتمعيّ العربيّ وتهرئته ناهيك عن التّدمير الهائل والوحشيّ لكل معالم الحياة في الوطن العربيّ من فرصة ذهبيّة لبسط سيطرة الفرس على العرب وتدجينهم واحتوائهم وشفط ثرواتهم وإلحاقهم لبيت الطّاعة الفارسيّ قسرا. وفي الوقت نفسه استفادت امريكا بل وطوّعت النّقمة العنصريّة الفارسيّة على العرب لتحقّق طهران أهداف أمريكا بالوكالة ودونما خسائر مباشرة ماديّة وبشريّة خصوصا بعد التّكلفة الباهضة والتي لم تعد الولايات المتّحدة الأمريكيّة قادرة على تحمّلها.
وإنّ هذا القول تؤكّده مجريات الأمور على الأرض سواء في الأحواز العربيّة أو سوريّة أو العراق حيث تصمت أمريكا - في مباركة ضمنيّة - عن التّقتيل اليوميّ الوحشيّ والتّهجير القسريّ للسّكّان الأصليّين وخاصّة تزكيّ سياسة تفريس بلاد العرب وخاصّة التّغيير الدّيمغرافيّ كمخطّط شيطانيّ حاقد هادف لتسهيل تفتيت الوطن العربيّ ومعاودة تجزئته وهي الخدمة الأغلى والأكبر التي تقدّمها إيران الفارسيّة الاستيطانيّ الشّعوبيّة للدّوائر الاستعماريّة الامبرياليّة وللصّهيونيّة العالميّة في استنساخ لسايكس بيكو وتأسيس سايكس بيكو 2.
إنّه وأمام هذا الواقع المأزوم، لا حلول أمام العرب لتفويت هذه المخطّطات الجهنّمية والدّسائس الكارثيّة التي تترصّدهم إلاّ أن يرصّوا الصّفوف ويستوعبوا حقيقة الخطر الفارسيّ ومشاريعه ويتصدّوا له من جهة، وأن يستغلّوا كلّ الدّوائر المؤثّرة في السّياسات الأمريكيّة والغربيّة المناهضة لإيران والمعادية لمخطّطاتها التّوسّعيّة والعنصريّة فيمدّوا معها قنوات الحوار الهادئ الرّصين والعقلانيّ المبنيّ على الاحترام والتّكافئ ومن خلال ذلك يعرّون الطّبيعة الفارسيّة الشّعوبيّة ويبسطونها على الرّأي العام في الولايات المتّحدة وفي أروبّا بكلّ السّبل إعلاميّا وشعبيّا وديبلوماسيّا وقانونيّا وذلك لتشديد الضّغط عن الإدارات المجرمة التي تسمح لإيران بالاستفراد بالعرب والتّنكيل بهم وذلك لتحقيق نهمها الظّالم وكرهها المقزّز للعرب.
أنيس الهمّامي
لجنة نبض العروبة المجاهدة للثّقافة والإعلام
تونس في 06-12-2016