اللقطة الاولى
في خطوة مباركة الى امام سجل مؤتمر المغتربين العراقيين انجازا وطنيا كبيرا بتعزيزه للامال في تحرير العراق واعادة بناءه وعودة اهله اليه ، فما جرى في مؤتمر المغتربين اكبر واهم من ان يترك ونكتفي بكلمات قليلة عن نجاحة وهو نجاح باهر تجاوز نجاح الدورة السابقة ولاسباب ساتناولها في لقطات متتابعة ، ساتناول لقطات معبرة تكشف لنا عظمة الشعب العراقي واصالته ونقاوته وقدرته الفائقة على تحمل الكوارث والرد عليها بخيار الاصرار على التحرير والبناء وليس الثأر والاستسلام ، واول البناء هو بناء النفوس التي جرحت ونزفت حد الموت ، فلا بناء مادي للوطن الجريح ما لم يسبقه بناء النفوس مادامت اعادة بناء الوطن تشترط ان يقوم به بشر يتميزون بصفاء النفس والرؤية .
وتدمير صفاء نفوس العراقيين كان احد اهم اهداف الاحتلالين فما لم تلوث نفوس العراقيين فلن ينجح الاحتلال ولهذا كان دستور الاحتلال وبرنامج خامنئي يتسمان ،وقبل كل شيء ، بنظام المحاصصات الطائفية والعنصرية وبنيت كل العملية السياسية عليه من اجل حرمان العراقي من صفاء النفس وتركه اسر تخبط من لا يرى جيدا لانه واقع تحت التأثير المدمر لغشاوة الرؤية الناجمة عن فتح صندوق باندورا وخروج شياطين الطائفية والعنصرية والانانية الفردية منه . فما الذي حققه مؤتمر المغتربين في مجال تنقية نفوس العراقيين او الكشف عن النقاء الذي بقي سليما لكنه غطي باطنان الاكاذيب الاعلامية ففقد البعض بوصلته مؤقتا ؟
لعلني لا اخطأ حينما ابدأ بلقطة نادرة وربما فريدة في مجال المؤتمرات وهي حضور من لا يستطيع الحضور لاسباب صحية فلقد جرت العادة على ان المريض او المعوق جسديا بصورة مؤقتة او دائمة معذور اذا لم يحضر مؤتمرا ما ، وهذه احدى البديهيات العالمية قديما وحديثا ولهذا لايلام او يحاسب الذي لديه مانع صحي عن الحضور ، ولكن هل كانت الحالة الحالة الصحية سببا يمنع ابناء العراق الاصلاء عن حضور مؤتمر المغتربين رغم عقده في مدينة لايمكن الوصول اليها بسهولة وهي اوفيدو في شمال اسبانيا ؟ الجواب هو كلا طبعا فشعب العراق هو شعب العجب ، حسب تعابير القائد الشهيد صدام حسين ، وبسبب هذه السمة كان العراق هو مخترع اول لغة واول عجلة ووضع اسس العلوم الحديثة . شعب العجب اعاد تأكيد انه لايمكن لكافة التحديات بما في ذلك اشد الكوارث هولا ان تغير طبيعته وهاكم بعض النماذج الانسانية الفريدة والتي دفعت الاسبان الذين حضروا للدهشة من عظمة العراق وفرادة شعبه :
1-اول ما لفت نظري هو حضور سيدة متوسطة العمر على كرسي متحرك ومعها من يساعدها على النهوض منه ويجلسها على كرسي في القاعة ، وكانت هذه السيدة الفاضلة لا تتراجع عن الحضور في الجلسات رغم طولها والذي جعل كافة الحاضرين يقومون بالمشي بين فترة واخرى لتحريك اجسادهم ، لكن هذه السيدة حضرت وبقت تواصل الحضور حتى الجلسة الاخيرة . وحينما سألت من هذه السيدة المعجزة ، رد علي انها المناضلة سناء البلداوي الشخصية النسوية العراقية التي اصيبت بعدة امراض من بينها تفتت العظام عند اي حركة سريعة ، حضور المناضلة سناء البلداوي من بلد بعيد نسبيا عن اسبانيا كان مؤشرا الى ان انسانيتها وهويتها العراقية اقوى من كافة انواع الامراض حتى تلك التي تمنع الحركة العادية مثل تفتت العظام . لهذا قمت وذهبت اليها وقلت لها : عندما رأيتك شعرت انك العراق الحقيقي كله بمقاومته ما لايقاوم ونجاحه في مقاومته . وكادت الدمعة تطفر من عينيها . نعم هذا هو العراق مجسدا في سناء البلداوي .
2-عراقي اخر اسمه قحطان جاسم مغترب في المانيا حضر وهو مريض ونصحه رفاقه بعدم الحضور ولكنه حضر وكان محني الظهر وهو يمشي ولكنه سقط من شدة مرضه فتلقفته الايادي واعانته ، وقلت مرة ثانية هذا هو العراق العظيم ومصدر عظمته فعندما يكون العاجز عن المشي قادرا على مواكبة الاصحاء جسديا في نشاطهم فهو معجرة عراقية .
3-المناضل عوني القلمجي الشخصية القومية الناصرية المعروفة والمناهضة للاحتلال حضر المؤتمر للعام الثاني على التوالي وحينما كنت معه نرتب حقائبنا للمغادرة شاهدت جهازا طبيا في حقيبته فسألته ما هذا يا ابا عمر ؟ فرد انه جهاز دعم الحياة الذي يضخ الاوكسجين لي اثناء النوم . تصوروا انسانا لا يستطيع التنفس بصورة عادية ويجتاح لجهاز دعم الحياة يحضر المؤتمر قاطعا الاف الكيلومترات ومعه هذا الجهاز ليحضر مؤتمرا عراقيا ! قلت مرة اخرى هذا هو العراق المتحدي دائما وابدا لكافة ما يعده بقية البشر حالات قاهرة يجب تجنبها .
4-نظرت الى شخض وقور مهاب واذا به الدكتور عبدالامير الانباري السفير العراق السابق ومن اعمدة الدبلوماسية العراقية وكان ظهره محنيا وسمعه ضعيفا وكنت وانا اتحدث معه يحتاج لمساعدة عقيلته الفاضلة ، ومع ذلك حضر المؤتمر بل انه شارك في طرح رأيه في المشاكل التي تواجه العراق . قلت هذا هو العراق الخلاق الذي لا ييأس من العثور على حل لكل مشكلة حتى تلك التي ترى شعوب اخرى انها غير قابلة للحل .
5-فنانون شباب في مقدمتهم الفنان حكمت ناهي مصادرهم المالية تكفي فقط لاساسيات الحياة جاءوا ومعهم الاتهم الموسيقية ومقطوعات موسيقية واناشيد وطنية وكلاسيكية عراقية وحرموا انفسهم من بعض اساسيات العيش لتغطية نفقات سفرهم لكنهم نجحوا في تقديم اغان فولكلورية واناشيد وطنية عراقية رائعة للمؤتمر ابكت الحضور .
ولكي تعرفوا سر عظمة العراق ممثلا بالامثلة الخمسة التي ذكرتها لابد ان اشير الى ان الرحلة الى مدينة اوبيدو صعبة جدا لمن موارده محدوده او ضعيفة فلقد استغرقت رحلتي في الذهاب اليها من بلد اوربي 12 ساعة اما العودة فقد استغرقت 16 ساعة منذ مغادرة البيت والفندق ، ما بين طيران وانتظار طائرة اخرى توصلني اليها وهذا حال كل من حضر ، بل ان من حضروا بالباصات او السيارات الشخصية قضوا حوالي 30 ساعة سياقة لاجل الحضور مع ان قسما كبيرا منهم كانوا من كبار السن واختاروا السيارة لانها ارخص من الطائرة ، وبما ان كل مشارك يدفع تكاليف حضوره بنفسه فان العامل المادي لعب دورا اساسيا في كيفية الوصول واختيار مستوى الفندق ومكانه . احدهم مثلا كان يقطع كيلومترين مشيا لحضور الجلسات لان الفندق القريب من قاعة المؤتمر غال نسبيا . مرة اخرى هذا هو العراق بقدرته المعروفة على تطويع المكان بقدرة النفس العالية الاباء .
هذا هو العراق ، وهؤلاء هم ابناء العراق الاصلاء : يذللون الصعاب ويقلصون الجغرافيا ويقتطعون لقمة العيش كي يحضروا مؤتمرا يجمعهم بعراقيين اخرين مهجرين رغما عنهم وينسقون الجهود لطرد الاستعمار من وطنهم ، فتحية للارادة الفولاذية للعراقي الذي لولاها لما كانت سومر وبابل واشور عواصم العالم القديم ولما صارت بغداد مركز العالم كله في ومن العباسيين . يتبع .
Almukhtar44@gmail.com
14-4-2017