كاظم عبد الحسين عباس
الحركة الثورية المقاومة للاحتلال ومنتجاته لا يطالها التكلس ولا التخشب حين لا تتوقف عن إنتاج التطور المعبر عن حيويتها وأصالتها والحق الذي تتسم به مطالبها وغاياتها وأهدافها ووسائلها وهو تطور يطال أدواتها المختلفة العسكرية منها والسياسية والإعلامية. ومن البديهي أن يكون جزء من التطور والارتقاء المتواصل في أداءها هو قدرتها على احتواء المتغيرات المرتبطة بتقادم الزمن والناضحة عن تغيير المواقف والأحداث وما يرتبط بها من سياسات وعمل دبلوماسي وإعلامي وغيرها.
المشروع الوطني للحل الشامل في العراق الذي طرحه حزب البعث العربي الاشتراكي مؤخراً هو في الحقيقة تعبير عن المعاني العميقة للتطور الذي نتحدث عنه هنا ليس في لغة الخطاب السياسي المرتبط بمتطلبات المرحلة والناتج أصلاً عن منجزات المقاومة العراقية الباسلة بل وأيضاً عن ضرورات الانتقال بهذه المقاومة إلى محطات تصعيد جديدة تتوافر على مقومات الصلة بالشعب والفقر المدقع والفشل الذي تم إسقاط العملية السياسية الاحتلالية فيه ومنه إسقاط مشروع اجتثاث البعث وعرقلة أجندات الاحتلال وتشتيت الجهد المذهبي المصمم لتمزيق الشعب العراقي وصولاً إلى تقسيم وشرذمة العراق وتقويض ركائز الدستور الاحتلالي والوقوف الشجاع بوجه الاحتلال الإيراني.
لقد وضعت استراتيجية المقاومة والتحرير البعثية بحيث أنها استوعبت حجم الأضرار والخسائر المتوقعة من العدوان والمتأتية من قوة التحالف الكوني الغازي والمديات التي سيصل إليها في إيذاء العراق عموماً وحزب البعث العربي الاشتراكي كقوة طليعية بشكل خاص. وفي ضوء تلك التقديرات التي سبقت وتلت الغزو تم صياغة الخطوط العامة لحراك المقاومة العراقية وأذرعها الساندة المدنية والإعلامية. لذلك نجحت الخطوات المرتبة مرحلياً واستراتيجياً لنصل إلى المشروع الشامل الذي يقف على مقومات أساسية تاريخية سننقله أدناه حرفياً لنتيح فرصة الاطلاع عليه والتركيز على مبادئه بشكل جيد.
يتضمن المشروع الوطني الشامل لحل قضية العراق المبادئ التالية:
أولاً: إنهاء الاحتلال الإيراني للعراق وهيمنته على العملية السياسية، وتصفية وجود الميليشيات المسلحة، وإزالة مخلفات الاحتلال الأمريكي ونتائجه، ورفض ومقاومة كافة أنواع الاحتلال والنفوذ والتدخل الأجنبي في العراق، وذلك من خلال:
١- تعبئة الشعب وتحشيد قواه الوطنية وتوحيد فصائل المقاومة، واستخدام الوسائل المشروعة كافة في التصدي للاحتلال الإيراني وأدواته، على الصعيد المادي والعسكري والسياسي والإعلامي والاقتصادي وغيره.
٢- تأييد أية استراتيجية عربية أو دولية والمشاركة فيها، لإنهاء الاحتلال الإيراني للعراق، ومحاربة قوى الإرهاب والطائفية التي تمثلها داعش والحركات التكفيرية المتطرفة من جهة، والميليشيات المسلحة المدعومة من إيران من جهة ثانية.
٣- السعي والتواصل مع الدول العربية الشقيقة لاستصدار قرار من مجلس الأمن الدولي يفرض على إيران إنهاء احتلالها للعراق والانسحاب منه بدون قيد أو شرط، والكف عن تهديداتها وتدخلاتها في شؤون الدول العربية الأخرى.
٤- العمل مع الجهات الدولية ذات العلاقة لوضع الميليشيات المسلحة المرتبطة بإيران وبأحزاب السلطة في العراق على قائمة المنظمات الإرهابية وملاحقتها ومحاكمتها بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ولكونها تمثل الوجه الآخر للإرهاب والتي فاقت بجرائمها داعش والقاعدة وباتت مصدر تهديد لأمن واستقرار الدول العربية ودول العالم.
ثانياً: الدعوة لعقد مؤتمر وطني عراقي تحضره جميع القوى العراقية وبضمانات عربية ودولية ملزمة، للاتفاق على تغيير العملية السياسية والبدء بمرحلة انتقالية جديدة لمدة زمنية محددة تتضمن:
١- تشكيل مجلس وطني مؤقت من ممثلي القوى العراقية وشرائح وفئات المجتمع المدنية والمهنية والأكاديمية وغيرها.
٢- تشكيل حكومة مؤقته من الكفاءات المستقلة غير المنتمية لأي حزب سياسي من أحزاب السلطة أو من الأحزاب والقوى المعارضة لها ... تكون واجباتها:
أ: المباشرة بإعادة هيكلة مؤسسات الدولة التنفيذية والخدمية بما يلبي تقديم الخدمات العامة والأساسية للمواطنين، وتحقيق عودة سريعة للنازحين والمهجرين من داخل العراق وخارجه، وإزالة مخلفات الاحتلال ومحاربة الفساد وملاحقة الفاسدين وإرجاع الأموال المنهوبة.
ب: وضع خطة شاملة لبسط الأمن ووضع حد للفوضى وحالة الانفلات الأمني وحماية المواطنين وممتلكاتهم.
ج: تشكيل لجنة قانونية موسعة لإعادة كتابة الدستور، بما يحافظ على وحدة وسيادة واستقلال العراق ويؤكد هويته العربية والإسلامية، يفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية ويوضح العلاقة بينها، ويحدد طبيعة نظام الحكم والممارسة الديمقراطية والتعددية الحزبية، وضمان الحريات العامة والخاصة للمواطنين واحترام حقوق الإنسان وحقوق الأقليات، ويضع حل نهائي لقضية كردستان العراق، ويلغي سياسة المحاصصة والاجتثاث والإقصاء والفيدرالية والأقاليم، ويؤسس لنظام وطني ديمقراطي تعددي يعتمد المواطنة أساساً في عملية الترشيح والانتخاب.
د: إلغاء عملية الاجتثاث وما ترتب عليها من نتائج، وإلغاء قانون المسائلة والعدالة وقانون حظر البعث بشكل كامل ونهائي، وإلغاء قوائم المطلوبين التي صدرت في بداية الاحتلال والتي استهدفت قيادة وكوادر الدولة الوطنية العراقية، وتصفية آثار تلك القوانين التي طالت معظم شرائح وقوى المجتمع العراقي بشكل عام وليس البعثيين فقط.
هـ: إلغاء قرار حل الجيش العراقي والأجهزة الأمنية، وإلغاء المادة ( ٤ ) من قانون مكافحة الإرهاب والتي راح ضحيتها عشرات الآلاف من الأبرياء لأسباب كيدية.
و: إصدار عفو شامل، وإطلاق سراح الأسرى والمعتقلين والمحجوزين لأسباب سياسية منذ بداية الاحتلال ولحد الآن، وفي مقدمتهم مسؤولي الدولة العراقية قبل الاحتلال من المدنيين والعسكريين الذين اعتقلتهم القوات الأمريكية عام ٢٠٠٣ كأسرى حرب ولا زالوا معتقلين في سجون الحكومة العراقية، مع ضمان حقوق المواطنين، وعوائل الضحايا والشهداء والمفقودين بسبب الصراعات والعداوات التي تلت الاحتلال ومن خلال قضاء مستقل عادل ونزيه.
ز: تعويض المتضررين من الاحتلال، ومن قوانين الإقصاء والاجتثاث والفصل السياسي والحظر، والأسرى والمعتقلين والمعوقين، وذوي الضحايا والشهداء والمفقودين بمختلف انتماءاتهم السياسية والاجتماعية والدينية والقومية، سواء أولئك الذين قُتلوا أو اعتقلوا من قبل قوات الاحتلال الأمريكي والإيراني أو من قبل الحكومات المتتالية وأحزابها وميليشياتها وأجهزتها المختصة.
ح: بناء القوات المسلحة والأجهزة الأمنية وفق قوانين وأنظمة وتقاليد عمل وطنية، وحل الميليشيات المسلحة وحصر السلاح بيد الجيش والأجهزة الأمنية بِمَا يساهم في تحقيق السلام والأمن والاستقرار.
ط: بانقضاء الفترة الانتقالية يتم انتخاب رئيساً للجمهورية انتخاباً حراً مباشراً من قبل الشعب، وإجراء انتخابات محلية وبرلمانية بمشاركة جميع الأحزاب والقوى العراقية دون استثناء وفقاً للدستور وقوانين جديدة للأحزاب والانتخابات.
ثالثاً: النظام السياسي والإداري: يتم بناء نظام سياسي وإداري حديث وفق الأسس التالية:
١- يتمتع بالحيوية والمرونة والكفاءة ويعتمد معايير عصرية حديثة في تقييم الأداء، واعتماد التقسيمات الإدارية التي تأسست عليها الدولة العراقية الحديثة وتطويرها واستحداث محافظات ومدن أخرى، بعيداً عن النزعات والتقسيمات الدينية والطائفية والقومية والمناطقية، وبما يضمن المحافظة على وحدة العراق الوطنية، ويحقق حالة من التوازن بين فئات وشرائح المجتمع، ويضمن التوزيع العادل للثروات وتنظيم الواجبات وتحديد الحقوق بين أبناء الشعب.
٢- يستفيد من تجارب الدول المتقدمة في مجال هيكلة مؤسسات الدولة وفي توزيع الصلاحيات والمسؤوليات بين الحكومة المركزية والمحافظات ويراعي الخصوصية والتجربة الوطنية العراقية في هذا المجال.
٣- يفصل بشكل تام بين الدين والسياسة ويعالج المشاكل والصراعات والاختلافات في هذا المجال والتي سبّبها الاحتلال، وفقاً للدستور والقوانين المدنية.
٤- يتعامل مع المؤسسة الدينية في العراق بطريقة متوازنة بما يضمن احترام كافة الأديان والمذاهب والطوائف والمعتقدات، ويضمن حرية الفرد في ممارسة طقوسه الدينية وفي اختياراته وانتماءاته المذهبية، وبما لا يخل بأمن الدولة والمجتمع. وتشكيل (مجلس أعلى للأديان)، في العراق يضم ممثلين من كافة الأديان والطوائف والمذاهب ينسق المواقف فيما بينها، ويحدد الممارسات ويطبّع العلاقات بين الأديان والطوائف وفق قانون خاص يشرع لهذا الغرض.
٥- يهيئ الأجواء لتحقيق أوسع وأشمل مصالحة وطنية حقيقية بين فئات الشعب وفي مختلف المناطق والمحافظات ويزيل التوترات والاصطفافات الطائفية والعداوات التي تولدت أثناء الاحتلال الأمريكي والإيراني للعراق وبسببه.
رابعاً: بناء وإعمار العراق: تعتبر عملية بناء العراق وإعماره من الأعمدة الرئيسية لأي مشروع وطني للحل وذلك بسبب ما تعرض له العراق من تدمير هائل في دولته ومؤسساته الاجتماعية والاقتصادية، وبناه التحتية ومنظوماته الوطنية، لذا فإن مشاركة الدول المتقدمة في بناء العراق وبأحدث ما يمكن من التقنيات في مجال إعمار البنى التحتية والفوقية، يعتبر حجر الزاوية لنجاح وقبول أي مشروع وطني من قبل الشعب.
على أن تتم عملية البناء بالاعتماد على الاستثمار الأمثل لثروات العراق المختلفة وخاصة النفطية وفق مبدأ (النفط مقابل البناء والإعمار)، ويكون الأساس في ذلك هو أن تقوم كل دولة من الدول المتقدمة وشركاتها المتخصصة ببناء محافظة من محافظات العراق بإشراف وقيادة حكومة العراق الوطنية، ووفق اتفاقيات تفصيلية يتم الاتفاق عليها بين العراق وهذه الدول، بما في ذلك تشغيل وتدريب وتأهيل الكوادر العراقية من مختلف المهن والأعمال والاختصاصات لتتولى هذه الكوادر قيادة مؤسسات الدولة العراقية وصيانتها بعد انتهاء عملية البناء من قبل هذه الدول وشركاتها .ومن الله العون والتوفيق.
قيادة قطر العراق لـحزب البعث العربي الاشتراكي
٢٠ آذار ٢٠١٧
هكذا تتضح ملامح المشهد التي يصوغها جهاد المجاهدين بدم الشهداء ومآسي الشعب التي سببها الاحتلال وتتبين خطوات العمل المقاوم التي قلنا إنها قد رسمت من روح الإيمان المطلق بحق التحرير وحتميته.