كان زمنا جميلا وعصرا ذهبيا بالنسبة للتيارات القومية على مختلف الصعد . ولقد توج ذلك الزمان ، زمن الخمسينيات، بالوحدة بين مصر وسوريا.
ولم يكن لبنان بعيدا عن تلك المرحلة إذ سرعان ما وجد القوميون فيه رجالا مثقفين ومناضلين وأرضا خصبة وحاضنة شعبية لهم مع بداية تلك المرحلة وحتى أوائل الثمانينات حيث أصبح لبنان خلالها ساحة للمظاهرات والمهرجانات والمؤتمرات التي عقدت باسم العرب جميعا دفاعا عن فلسطين الحبيبة.
وما أن فشلت الوحدة بين سوريا ومصر وانقلب القطريون على القيادة القومية لجأ الرفيق المؤسس احمد ميشيل عفلق الى بيروت واختفى في بيت كلوفيس مقصود حتى سنحت له الفرصة بالانتقال الى بغداد.
كان حزب البعث العربي الاشتراكي في لبنان رأس الحربة في الدفاع عن القضايا العربية وانضوت جميع القوى الوطنية والتقدمية تحت قيادته وتم انشاء الحركة الوطنية اللبنانية وكذلك القوات المشتركة مع الفصائل الفلسطينية لمواجهة العدو الصهيوني وعملائه في الداخل والخارج (أول تشكيلات المقاومة العربية اللبنانية ) .
ثم اشتعلت الحرب الأهلية في لبنان سنة ١٩٧٥ لاستهداف المقاومة الفلسطينية وكل من يدافع عنها من القوى الوطنية والقومية في لبنان. قاتل البعثيون قتالا شرسا لتفويت الفرصة على القوى الانعزالية ومن وراءها قوى إقليمية ودولية على الصعيدين العسكري والسياسي.
لكن تكتل تلك القوى الظلامية أعطى الضوء الأخضر لتدخل النظام السوري في لبنان ودعمه لإنهاء المقاومة فيه.
لقد استهدف النظام السوري بوحشية وبروح اجرامية كل احرار لبنان وكان للبعثيين النصيب الأكبر من الاغتيالات والاعتقالات والاستهداف المعيشي والاجتماعي حتى وصل الأمر بالقوات السورية والمتحالفين معها الى تدمير منازل وقرى بأكملها لأنها تدين بولاءها للبعث.
وبما أن النظام اللبناني أصبح مرتهنا للوصاية السورية فلقد انتزع الترخيص الرسمي من الحزب واستولى عليه اتباع نظام الردة واجبر النائب الدكتور عبد المجيد الرافعي على الانتقال الى بغداد. كانت الهجمة شرسة حتى على ممتلكات البعثيين.
تحول البعثيون إلى العمل السري وتحلوا بالصبر والقدرة على التحمل وجعلوا في كل بيت من بيوتهم غرسة انتظرت حتى أتت أُكُلَها.
وفي العام ٢٠٠٠ أعاد الحزب تنظيم صفوفه مجددا وعاود النضال العلني منفردا حيث لم يجد من يتعاون معه من حلفائه السابقين بسبب الشحن المذهبي والحصار الإعلامي والسياسي لكن البعثيين لم يتقاعسوا أو يكلوا حتى تمكنوا من الحصول على ترخيص جديد باسم "طليعة لبنان العربي الاشتراكي". ما سمح بعودته إلى الواجهة مجددا وانخراطه بالأعمال المطلبية والنضالية والعمالية والنقابية من خلال عمل جبهوي عبر الحراك المدني "بدنا نحاسب" واللجنة الأهلية لنصرة فلسطين والعراق وهيئة التنسيق النقابية وروابط المعلمين بكل مسمياتها بالإضافة إلى فرق كشفية ورياضية. وتسير فعاليات الحزب الجماهيرية بتصاعد مشهود ليظل احد فروع البعث القومية الفاعلة والمؤثرة والقادرة على تنشيط العمل المحلي والقومي لاسناد المقاومة العراقية الباسلة ضد الاحتلال ومنتجاته. ويفخر البعث عموما بالنشاط الاعلامي والثقافي لطليعة لبنان الباسلة والذي ينتج فكرا وتجديدا نافذا في الخطاب البعثي الجماهيري النضالي والتحشيد واضاءة قضايا الأمة ومحنها ويعضد توجهات واجتهادات البعث للتاسيس لعمل قومي نضالي .
البعث باق ببقاء الأمة العربية لأنه روحها وارادة أبنائها وقارب نجاتها مع من قبل الشراكة الوطنية والقومية .
قاسم فرحات
نبض العروبة المجاهدة للثقافة والإعلام