كاظم عبد الحسين عباس
نحن ندرك يقيناً أن الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة الرئيس ترامب تمتلك سياسة ورؤى وخطط في العراق مختلفة عن تلك التي نفذها أوباما وطاقمه لثمان سنوات أحرقت الحرث والنسل وقلبت الحجر على الأخضر. وليس لدينا شك من أن الأمريكان يصوغون خططهم بهدوء بانتظار حسم معركة الموصل التي سيكون الدخول الأمريكي بعدها للعراق اقتصادي بالدرجة الأساس تحميه قوة عسكرية محدودة كما نعتقد لتغذية الخزينة الأمريكية بما يثبت ويبرهن صحة توجهات وبرامج ترامب والجمهوريين وتشغيل الشركات الأمريكية الكبرى سواء في أميركا وفتح أسواق العراق أمام منتجاتها أو للشركات التي ستكلف ب (إعمار العراق) مقابل النفط وما ستحققه هي الأخرى من حراك للاقتصاد الأمريكي الذي يعاني من اضطرابات وخلل خطير نتيجة خسائر أميركا في العراق التي نتجت عن مقاومة الشعب العراقي للغزو والاحتلال.
غير أننا ننظر بعين الريبة والشكوك للتسريبات التي ينشرها بمقالات شبه يومية عدد من العملاء خونة العراق وتتضمن ما يشبه طموحاتهم المسنودة ببعض الأخبار المخابراتية ونجد فيها إسفاف وتقديرات غارقة في الطوباوية والتهويل الذي يتناقض كلياً مع معطيات الواقع وسير الأحداث وخاصة ما يحتويه من تبسيط ساذج لمسارات (الإصلاح الأمريكي) الذي يعني بالنسبة لهم عودة القبضة الأمريكية لتسيير الشأن العراقي طبقاً لرغبات الموالين للاحتلال الأمريكي والذين يسوقون لاحتمالات طرد إيران وبقاء الهيمنة أو الاحتلال الأمريكي.
قام هؤلاء بضخ توقعات ومعلومات وفرشوا أرضيات لما أسموه (الاستدعاء لرئيس وزراء سلطة الاحتلال حيدر العبادي) إلى واشنطن وجعلوا كثيرين يصلون إلى نوع من القناعات أن العبادي سينال ألف صفعة وركلة من ترامب وطاقمه وأنه سيجبر على أن يتقيأ أحشاءه الإيرانية ويقوم بالمعجزات في قلب العملية السياسية على بطانتها فيجعل منها عراقية. ونسي هؤلاء أو تناسوا أن حزب الدعوة والمجلس وبدر وحزب الله ومنظمة العمل وحزب الفضيلة وكل المليشيات المعروفة هي إيرانية الهوية والولاء معاً وأن مجرد وجود حزب الدعوة واستقباله من قبل القيادة الأمريكية كحزب يقود السلطة هو إقرار أمريكي من نوع ما بشراكة إيران في الاحتلال وسلطته المجرمة.
وأثناء الزيارة ورغم أن الجميع قد لاحظ أن ترامب قد عامل الوفد القادم من بغداد بفوقية وازدراء بل وربما بقدر من الاحتقار نحن نعرف حضوره في الضمير الأمريكي المركب الذي يبيح لنفسه اللعب بمقدرات وأرواح الشعوب غير أنه في ذات الوقت يحتقر العملاء والخونة ويتعاطى معهم كأدوات رخيصة لوقت محدد غير أن الصورة والإملاءات التي ضخت في تسريبات المتأمريكين لم تجد صداها ولا عبرت عن نفسها لا في سلوك وسياسات العبادي وحكومته ولا فيما يقال إنه انقلاب أمريكي تام على إيران.
وقد وجد المروجون للتسريبات ما يقوض انتشارهم الإعلامي واستخدامهم لمشاعر الناس التي ضاقت ذرعاً بإيران وعدوانها وإجرامها في العراق من خلال خطاب العبادي في القمة ولقاءاته والتي أكد فيها أن الحشد قوة (عراقية) في مقارعة الإرهاب بما يؤكد تمسكه بالحشد الذي قيل إن الأمريكان يضعونه خطاً أحمر للعبادي وسلطته وحكومته عليه أن ينتهي منه ويحله ويسحب سلاحه. وكنتيجة لمعطيات كذب ما يسربونه أو عدم دقته على الأقل فإن العملاء المتأمركون انتقلوا فوراً وبما لا يتناسب مع التمسك بأي قدر من المصداقية إلى نغمة أخرى مفادها أن العبادي قد تعامل مع الأمريكان بباطنية وخدعهم بالإيحاء الذي روجوا له ألا وهو أنه سينقلب على الدعوة والعملية السياسية برمتها وسيكون أداة في تقويضها إلى ما يتناسب مع الرؤية الأمريكية وأن تصريحاته بقطع اليد التي تمتد على الحشد وعدم إظهاره أية إشارة لمغادرة معسكر المنتمين والموالين للاحتلال الإيراني للعراق إن هي إلا غدر لما قدمه من وعود لأمريكا.
على العموم.. ما يهمنا في هذا الشأن أن ننبه العراقيين خاصة والعرب عامة على أن العملية السياسية بالعناصر التي تعاقدت مع أميركا وبدستورها وطائفيتها ومحاصصتها وفسادها وإجرامها غير قابلة للإصلاح وأن العناصر التي نفذت إلى القوات الأمنية من المليشيات التابعة والمؤتمرة بأمر إيران لن تستسلم ببساطة للتسريبات التي يروج لها البعض والتي تحلم بتدخل أمريكي حاسم يخرج إيران بالكامل من العراق وهم يدركون أن السبيل الوحيد لمثل هكذا تطور في الموقف الأمريكي يحققه طرد كل الأحزاب وحل المليشيات والحشد وإلغاء الدستور أو تعديله ومعالجة معضلات ومخلفات داعش ومن حارب داعش في المدن والشعب على حد سواء. ونرى أن يتحصن العراقيون والعرب خلف متراس واحد هو إنهاء العملية السياسية والتعاطي بجدية من العالم كله مع مشروع البعث الوطني للحل الشامل لقضية العراق والذي ينطوي ضمناً على حل شامل للكوارث التي تحل بالأمة العربية كلها.