هشام عبيد
رحلة التسعين عاماً ثقيلة على بني البشر... وقد قال زهير بن أبي سلمى: «سئمت تكاليف الحياة، ومن يعش ثمانين حولا، لا أبا لك يسأم»
حكيم العرب سَئم من الثمانين... وطبيب الشعب لم يسأم من التسعين....
مناضلاً ولد... ومناضلاً نشأ وترعرع.. ومناضلاً ظل ولم يتعب.. حتى تعب منه التعب...
... عبدالمجيد الرافعي، علامة فارقة في تاريخ العرب المعاصر... ومدرسة نضالية عز نظيرها لأنه رجل يمارس النضال عن قناعة راسخة تصدر عن صدق سريرة، وإيمان لا يخالطه أدنى شك بما يقوم به...
«عقيدة أمة»... ضحى بكل شيء من أجل القضية
... عبدالمجيد الرافعي، يجسد الإيمان بالعقيدة النظرية فيحولها إلى شخصية واقعية تسعى كما يسعى البشر... إنه «عقيدة الأمة تسعى على الأرض»... لم يهادن لها، ولم يساوم عليها، ولم يبادلها بمال ولا جاه ولا سلامة أبداً... فقد ضحى بكل شيء، نعم، بكل شيء من أجل القضية... ولم يزل.
إرادة أسطورية.. في التسعين وكأنه في البداية
... عبدالمجيد الرافعي، تفتخر به السنون، ويتباهى به العمر، وتُسعد به الأمكنة، وتتناقل الأجيال سيرته العطرة، ويتنافس المناضلون وهم ينهلون من معينه الذي لا ينضب من الحب، والعزم، والإرداة الأسطورية.. فهو في التسعين وكأنه لا يزال في بداية الطريق.
يعذر من إستعفى ويعتز بالمستمر
... عبدالمجيد الرافعي، لا ينسى، ولا يتناسى الأصدقاء والأصحاب والرفاق، أبداً... سواءً من غادر منهم إلى دار البقاء شهيداً أو فقيداً... أو من بقي منهم مناضلاً معه، أو من انسحب من ساحة النضال... فالكل عنده بمقدارٍ... ويعذر من استعفى، ويغبط من استمر ويعتز به..
البحر المحيط
... عبدالمجيد الرافعي، يحترمه القاصي والداني، والخصم والصديق، لأنه يمثل الفكرة المتجردة بعيداً عن حطام الدنيا، فهو كُلُّه ملك للأمة، لا لبيت أو عائلة، أو عصبة، أو حزب، أو أي شكل من الأشكال التي يتنافس عليها الناس.. فهو يملك كل ما يتقاتلون من أجله، لكنه يقدمه حباً وكرامة...
ولئن كتب فيه المؤرخون، ومهما كتبوا، وقد كتب البعض منهم، فإنهم لن يوفوه حقه.. إنه البحر المحيط، وما أدراك بما فيه.
... ولي مع هذه الأسطورة النضالية مسيرة عمر، وألم، وتجربة لا تتكرر... فيها الكثير الكثير من الأسرار، والمواقف، واللحظات الخطيرة، ما قد يخطر منها ببال، ومنها ما لا يخطر ببال.
.. لي معه ما يجعلني أدعي بحق أنه الأب الروحي الكامل التام لي، وهو لم يكن الوالد حصراً...
فكان ارتباطي به ارتباطاً عضوياً، نضالياً معاشاً مذ التقينا في نهاية الخمسينيات من القرن الماضي، إبان ما يُعرف بـ «الثورة على حلف بغداد وعلى شمعون»... أي لقد شارفت علاقتنا على بلوغ الستين عاماً متواصلة.
يا ابن التسعين ربيعاً، ولا أقول خريفاً، إننا لا نزال في حاجة إليك... دمت لنا وبيننا، تسكن الأفئدة والقلوب، وتستوطن العقول والعيون، وتملأ أرضنا وفضاءنا وساحاتنا بصمودك الأسطوري وبحضورك الكريم، وصوتك العذب الرخيم، وقامتك السامقة الشامخة، وبطلتك البهية، ووجهك المضيء، وابتسامتك التي نتخذها لنا شعاراً ومناراً...
وكل 11 نيسان وأنت بخير،
أيها الرفيق،
أيها القائد عبدالمجيد الرافعي.