سعد بن ابي وقاص سعد بن ابي وقاص

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

د. نزار السامرائي : مؤامرات فتنة أم مؤتمرات بحث؟


لا أزعم معرفة بموضوع شائك كموضوع العقائد الدينية فهو أمر له حساسية عالية تتعلق بقناعات الناس، لذلك أرى أن على من يتناول موضع مؤتمر كروزني أو أي موضوع مماثل من زاويته الفكرية ومن منطلقاته العقائدية ترك البحث لأهل التخصص والدراية من العلماء
المشهود لهم بالعدل والموضوعية، لأن من يدلي بدلوه في قضية لا خبرة له فيها إنما يسيء إلى نفسه بالمرتبة الأولى وإلى الجهة التي يطل من منبرها، وبالتالي إلى الانسجام الاجتماعي.
في زمن ثورة الاتصالات صار كثير ممن يشعر بقدرة ما على إطلاق كلام منمق من دون أن يترتب عليه ثمن أخلاقي أو قانوني، لا يجد رادعا عن دس أنفه في ما يتناول من اختصاصات غيره وما لا يتصل بها بوشيجة، وربما يعود كثير من سبب ذلك أن هناك وقتا من دون قيمة، يجب أن يتم ملؤه من مساحات الفراغ في عدد من الفضائيات التي تروج لأدوية تنشيط الجنس على سبيل المثال ولكنها لا تتورع عن إذاعة قراءات للقران الكريم لتنشيط مبيعاتها، أو فضائيات تضفي على بعض ضيوفها صفات ومؤهلات هم قبل غيرهم يعرفون أنهم لا يحملون القدر الضئيل مما يطلق عليهم، كل ذلك يتم في إطار تسويق بضائع فاسدة كاسدة لا سوق لها إلا في مخيلة الجهة التي تقف وراء عمليات الترويج.
ولأن الهدف الرئيس لعقد مؤتمر كروزني كان تناغما مع محاولات الولايات المتحدة لإعادة رسم الخارطة المذهبية في العالم الإسلامي التي تعاني من خلافات ونزاعات دموية في بعض الأحيان، ولكن هذه المرة على أسس غير ما كان متعارفا عليه في العالم الإسلامي من أن هناك شيعة وسنة، فبات الحديث المتواتر من أمريكا "التي تمتلك أكبر مركز لإنتاج الفتن الجديدة ومنح القديم منها قوة دفع أكبر" يركز على توزيع المسلمين على "شيعة وصوفية وسلفية"، في صرعة جديدة من الإضافات الأكثر صخبا واستدراجا للشقاق، لهذا رأينا أن مؤتمر كروزني نصّب نفسه وصيا على منح شهادات حسن السلوك والانتماء للدين أو لهذا المذهب أو ذاك وسحبها ممن لا يرغب فيه، لا لاعتبارات تتعقل بجوهر العقائد وإنما لاعتبارات لا تتصل بهذا الأمر لا من قريب ولا من بعيد بل لدواع إثارة فتنة جديدة وإضافتها إلى الرصيد المدّور من الفتن النائمة والمستيقظة والناشطة والهادئة.
للأسف الشديد استجاب من شعر بغبن فادح للتاريخ وطمس بيّن للحقائق وهو أحق عقلا وشرعا في الجلوس على كرسي القضاء أو الأستاذية ممن طويت له الوسادة من دون وجه حق، للرد على مؤتمر كان يجب أن يطوق في أصغر حيز أخلاقي ويخنق في مهده لأنه أتفه من أن يثير هذا القدر من الاهتمام، فالمؤتمر عقد في مدينة "هيروشيما" الروسية التي دمرتها دبابات فلاديمير بوتين بلا رحمة وجعل من الدمار الذي أحاق بها درسا يريد القيصر الجديد تلقينه لكل من لا يوافق على منح الروس شرف الدفاع عن القيم الإنسانية التي أكدت تجربة سوريا أنهم أخر من يحق له الحديث فيها، أومن يشكك بمكانة روسيا وريثة المجد القيصري وإرث الاتحاد السوفيتي الذي تهاوى تحت وقع ضربات الثوار المسلمين الأفغان.
امتلك بوتين عقدا تاريخية مليئة بأسباب الضغينة والكراهية بعد أن استلها من بطون محاضر محاكم التفتيش ومؤلفات المستشرقين المغرضين في البحث في أية مفردة يمكن أن تنفذ منها سهام الحقد على دين التوحيد، فحركته أسباب الانكسار الكبير الذي أفقد الاتحاد السوفيتي كرامته ومكانته ومركزه الدولي، ولهذا نراه وهو يصب حمم الحقد الروسي الإيراني على الشعب السوري، يستضيف مؤتمرا بائسا مجرد عقد جلساته بموافقة الدولة الروسية وفي مدينة تمت فيها تجربة أو حرب إبادة جماعية لشعب بكامله، وتم استنساخ مفرداتها لاحقا في المدن السورية التي تبدو وكأنها من بقايا هيروشيما ونكازاكي، يؤكد أنه مؤتمر ضرار هدفه إحداث شرخ جديد في الوسط الإسلامي، فبعد أن حيدّت دولة الولي الفقيه شيعة العالم عن أي دور حقيقي في مواجهة تحالف قوى الشر التي تخوض حربا صليبية ضد العرب والمسلمين، وجدت مراكز صنع القرار أن المرحلة المقبلة تتطلب شرخا إضافيا بين المسلمين، وكأن التفكير عن المسلمين وتحديد من هو الصالح منهم ومن هو غير ذلك، تحدده دوائر لا صلة لها بهم معروفة التوجهات والانتماءات، أما المسلمون أنفسهم فهم مشغولون بالتماهي مع متطلبات ما يرسمه أعداؤهم من دول كبرى كالولايات المتحدة وروسيا، خاصة وأنهم أي المسلمون صاروا يتحركون لكسب الرضا الدولي خشية أن يتهموا بالإرهاب، وكأنهم في حقل ألغام عشوائي يمكن أن ينفجر عليهم في أية لحظة.
يجب التركيز على دوافع المؤتمر والجهات التي دعت إلى عقده وظروف انعقاده في ظل الدور الروسي الإجرامي والتوافقات الأمريكية الروسية، وليس إلى ما دار فيه من بحوث الهدف الرئيس من إدراجها في جدول الأعمال، ليس البحث العلمي البعيد عن الغرض السياسي، وإنما إضافة سبب للنزاع والخلاف بين المسلمين، وإلا من هي الجهة التي تستطيع أن تعزل الملايين من المسلمين عن المكون السني، وهل بإمكان وعاظ القتلة الروس الذين ساعدوا على إبادة أكثر من نصف مليون سوري وهجروا أكثر من نصف السكان ودمروا مدنا بكاملها، هل بإمكانهم أن يشغلوا كراسي الإفتاء والتحليل والتحريم؟
أما الحديث في ملفات المؤتمر إن أريد لها أن تدرس، فأرى أن يحال إلى ذوي الاختصاص ليدرس بروح البحث العلمي الرصين والبعيد عن متناول الإعلام أو التنابز بالألقاب، لأن ترك الأمر على علاته سيضيف ضبابية إلى المشهد، كما أن الحديث العلني فهو الآخر حديث يؤدي إلى شرخ لسنا بحاجة إلى إضافته.
المؤتمر معاد للعرب والمسلمين حتى إذا حضره بعض منهم، وهو سياسي بامتياز أريد له أن يرتدي لباس الواعظين ومحامي الشيطان وما أكثرهم.

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

سعد بن ابي وقاص

2018