سعد بن ابي وقاص سعد بن ابي وقاص

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

د. نزار السامرائي : ساحات اختبار الإرادة السعودية في مواجهة خطط الأعداء-الجزء الثاني







تواجه الاستراتيجية السعودية الجديدة تحديات كثيرة، ولها ساحات اختبار لجديتها في امتلاك الإرادة السياسية الحرة في إمضاء ما تراه متطابقا مع مصالحها الوطنية وأمنها القومي والأمن العربي، ويمكن إجمال هذه الساحات بكلمات موجزة تعبر عن خطط مضادة تعتمدها أطراف دولية وإقليمية مهما استعرضت التباين فيما بينها، فإنها تلتقي جميعا على حرص مؤكد في ألا تظهر قوة عربية قادرة على استقطاب التأييد الشعبي لها، وأهم ساحات اختبار إرادة المملكة السياسية هي:-

1 – سوريا:- على الرغم من كل المآسي التي عانى منها الشعب السوري جراء ما واجهه من بطش وتنكيل من جانب سلطة طائفية مدعومة بقوى تحمل موروثا ثأريا ضد العرب، إلا أن الثورة السورية أسقط الخطاب السياسي والإعلامي الذي اعتمدته إيران منذ وصول الخميني إلى السلطة عام 1979 وأذرعها في الساحة العربية، عن فلسطين والتحرير وخط الممانعة، فقد أكدت ردود فعل حزب الله اللبناني منذ الأيام الأولى للثورة السورية التي اندلعت في آذار 2011، أن هذا الحزب اختار الموقف الطائفي على حساب كل ما رفعه سابقا من شعارات التحرير ووظفها لزيادة رصيده الشعبي عربيا وإسلاميا، وجعل منه سببا لنشر التشيع بعد أن جعل من حرب 2006 ستارا لفكرة أن التشيع رديف للمقاومة ورديف للتحرير على خلاف مذهب أهل السنة والجماعة.
ولما وصل التدخل المباشر لحزب الله اللبناني إلى جانب نظام الرئيس بشار الأسد إلى الفشل في تحقيق هدفه بإنقاذ النظام من السقوط، كان لا بد لإيران من تأتي بنفسها وبكل ما لديها من قوة مادية وبشرية وتضعها في خدمة النظام، ليس حبا به أو دفاعا عن المراقد الشيعية كما زعم في البداية، ولكن لأن الاستثمار السياسي في سوريا يعد استثمارا ناجحا لجعل الإطلالة الإيرانية على الشواطئ الشرقية للبحر الأبيض المتوسط حقيقة راسخة يمكن توظيفها في أي حوارات أو مفاوضات من أجل تعظيم الموقف التفاوضي الإيراني في لغة المساومات السياسية على ملفات إيرانية صرفة لا شأن لها بالوضع في فلسطين أو دعم خط الممانعة.
ومع الوقت كأنت المواقف الإيرانية تخرج من مخابئها وتظهر للعلن لتؤكد أن هدف إيران هو إعادة الإمبراطورية الفارسية التي كانت تتحكم بالشرق القديم، كما أعلن عن ذلك أكثر من مسؤول إيراني كبير من دون تردد، ومنذ الأيام الأولى حصل فرز واضح في الموقف الرسمي العربي، معظم الدول العربية وقفت إلى جانب الشعب السوري في ثورته التي يسعى من خلالها للتخلص من حكم الأقلية الطائفية ورهن إرادة الشعب السوري لولاية الفقيه وبدء خطوات جادة لنشر التشيع في مركز الخلافة الأموية وعاصمة الخلافة، بل تجاوز الإيرانيون كل الحدود عندما نقلوا ممارساتهم الشاذة إلى المسجد الأموي في دمشق.
ربما أدى تحسس بعض الدول العربية من دور الإخوان المسلمين في سوريا، إلى فرملة لحجم الدعم المفترض تقديمه للثورة، إلا أن هذا الأمر أمكن تجاوزه نسبيا بسبب إجراء مقارنات صامتة داخل النظام الرسمي العربي، بين الخطر الفارسي الإيراني وما يمكن أن يسببه قفز الإخوان المسلمين للسلطة في سوريا من مخاطر مفترضة، وهنا لا بد من أن تساؤلا يطرح نفسه بقوة، هو لماذا ساهم النظام العربي الرسمي وخاصة الخليجي في إيصال التشيع إلى سلطة الحكم في العراق مع كل ما يمثله ذلك من أخطار حقيقية على الوطن العربي، في حين نراه يتردد في دعم ثورة الشعب السوري بسبب مخاوف لم يتأكد خطرها من الإسلام السني، أم أن هناك تماهيا بين النظام الرسمي العربي والقبول الأمريكي خاصة بالتشيع السياسي كقوة حاكمة ويراد لها أن تتوسع، مع خشية تصل حد الهلع من التسنن السياسي، وربما كان الضغط الخارجي على النظام الرسمي العربي وخاصة الأمريكي الدور الأهم في رسم مسارات للدعم العربي للثورة السورية.
لم يستوعب النظام الرسمي العربي أنه إن خضع للإملاءات الخارجية تحت لافتة الحفاظ عليه من مخاطر غير محسوبة، فإنه في واقع الحال سيضع نفسه في قلب الإعصار وسيجد نفسه مضطرا لتقديم تنازلات متلاحقة تفرغه من كل خطوطه الحمر، وبالتالي فإن الخطر الآتي من التنازل عن الحقوق أو من الخضوع للضغوط الخارجية، هو أكبر بكثير من اختيار طريق المواجهة والتصدي للأخطار التي تهدد الأمن القومي ليس لقطر ما فقط وإنما التي تهدد الأمن القومي العربي الجماعي.
إن سوريا أحد أهم خطوط الدفاع العربي عن الوجود القومي بوجه المشروع الفارسي وأي تراجع أو خضوع للابتزاز الخارجي القاضي بتقنين الدعم المقدم للثورة السورية سيؤدي إلى إفقاد المملكة العربية السعودية لمصداقيتها في تبني مشروع العربي لمواجهة التوسع الإيراني الذي يتحرك بمرونة غير مسبوقة مستغلا التمزق العربي والصمت الدولي.
لقد كان المفروض عدم الخضوع العربي للإرادة الأمريكية الهادفة إلى التحكم بإرادة الثوار السوريين وبتوجهات الثورة السورية وتدجينها، عن طريق منع تزويدهم بالسلاح النوعي المطلوب لمواجهة سلاح الجو أو الدروع وطائرات الهيلوكوبتر التي دمرت الكثير من المدن السورية وقتلت الآلاف بالبراميل المتفجرة، لأن هذا الخضوع أدى إلى إطالة أمد معاناة الشعب السوري وإحداث دمار غير مسبوق وعلى المستويات وإزهاق أرواح مئات الآلاف وتشريد الملايين.
تتعرض سوريا لخطر التقسيم الذي تدعمه الولايات المتحدة وروسيا، وذلك من خلال التقائهما على تقدم الدعم العسكري والسياسي والدبلوماسي للحركة الكردية السورية، ويبدو أن لغة الفتوحات الاستعمارية قد أطلت برأسها من جديد عندما أعلنت الحركة الكردية السورية المسلحة أنها ستضم محافظة الرقة "عربية" إلى منطقة الإقليم الكردي الذي تريد إعلانه مستقبلا، ويعد هذا النهج عودة إلى عهود السيطرة الاستعمارية في رسم الحدود بين الدول والأقاليم عبر منطق القوة المسلحة، ما حصل في العراق من بدايات تفكك وحدة الدولة العراقية بعد حرب الخليج الثانية، ومواجهة الأخطار المحتملة بالبيانات الختامية للمؤتمرات العربية والدولية، لم يعد جائزا الاعتماد عليه لدفع الخطر على وحدة البلدان العربي التي انفرط عقد إحداها فسوف لن يتوقف إلا بعد الإجهاز عليها جميعا.    
2 -  العراق:- على الرغم من أن العراق تم احتلاله إما نتيجة لتواطؤ من جزء من النظام الرسمي العربي، إلا أن ما آلت إليه أوضاع العراق وتسليم البلد لإيران عن وعي وإرادة سياسية من جانب الولايات المتحدة، لم تدفع النظام الرسمي إلى اتخاذ موقف دفاعي عن النفس بوجه أخطار بدأت تسفر عن وجهها الحقيقي ونواياها في التمدد على حساب الأراضي العربية وخاصة من تم الإعلان عنه مرارا من أن الهدف النهائي لإيران وأدواتها المحلية، هو الاستيلاء على بيت الله الحرام في مكة المكرمة، والمسجد النبوي الشريف في المدينة المنورة، وتغيير العقيدة الدينية للبلاد وفرض التشيع مع كل ما يحمله من بدع وخرافات.
هناك مبدأ عسكري استراتيجي يقول إن الدفاع عن الأرض الحيوية يتم أمامها وليس فوقها، ولهذا فإن موقف المتفرج على ما يحصل من حرائق في العراق بانتظار وصول النار لقياس القدرة على إطفائها تعد مغامرة حمقاء لن تمر من دون أن تترك حروقا وتقيحات على الأمة، فالمطلوب أخذ زمام المبادرة والمبادأة وعدم ترك العدو يحصن مواقعه الجديدة وتكريس المكاسب التي حققها بالقضم التدريجي أو الالتهام دفعة واحدة، فأعلى درجات الاستعداد ولأسوا الاحتمالات هو ما يجنب الأمم والشعوب أخطارا يمكن أن تعصف بكيانات ودول وتحذفها من خارطة التاريخ والجغرافيا.
لقد انهارت منظومة الدولة في العراق، ولا شك أن عدوى الفوضى تنتقل في البيئة الصالحة أكثر من قدرة الصلاح والكمال على ذلك، وهذا يدعو العرب وخاصة الخلجيين، والمملكة العربية السعودية على الوجه الأخص، أن تضع الخطط لدرء الخطر عن نفسها وتجربتها السياسية والاقتصادية، وذلك في محاولة لإصلاح الأخطاء التي ارتكبوها مع العراق، لأنهم وجدوا بالنتيجة أن خروج العراق أو إخراجه من معادلة الأمن القومي العربي لم توفر لهم الأمن الموهوم الذي وعدوا به وصورت لهم الأوضاع بأن الخطر الحقيقي هو من العراق، ولكنهم الآن وجدوا أن إيران كانت تصطدم دائما بخط الصد الأول عن الأمة وهو العراق، ولكنه قطعا سيكون خط الدفاع الأخير.
إن مواجهة المشروع الإيراني المتفق عليه مع إرادة دولية تدعهما الولايات المتحدة والذي تمت صفحته الأولى باحتلال العراق وصفحته الثانية بتوقيع اتفاقية البرنامج النووي الإيراني مع الدول الكبرى، تتطلب الخروج على "النص" الذي واضعه كاتب السيناريو للشرق الأوسط الكبير أو الجديد، وهذا قطعا يتطلب إرادة سياسية محسوبة وتقبل كثيرا من المجازفة المدروسة للخروج على تقاليد سياسية تم اعتمادها لعشرات السنين بافتراض أن الضمانات الدولية هي الحامية لأمن الدول التي لا تحسن الدفاع عن نفسها وربما لا تريد ذلك، لقد أكدت الولايات المتحدة ومنذ خروجها من حدودها الجغرافية بعد الحرب الأولى ثم تحكمها بكثير من المسارات الاستراتيجية بعد الحرب الثانية، أنها صديق وحليف غير مضمون وتجاربها في هذا الميدان واضحة، لذلك فإن البديل عن ذلك هو الاعتماد على النفس وتطوير تحالفات إقليمية سواء في نطاق جامعة الدول العربية أو مجلس التعاون الخليجي أو مع تركيا لاسيما أن تركيا أثبتت أنها أقل الدول تدخلا في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وهنا نأتي على الخطوة المطلوبة للقضاء على الفتنة في مهدها في العراق، وهي التوصل إلى موقف مشترك في مواجهة النفوذ الإيراني والمليشيات الشيعية التي تتحرك بموجب إملاءات إيرانية، وبالتالي فإن مواجهة حالة الفوضى في العراق تتطلب تحديد جدول بالأولويات التي يجب أن تركز على وحدة العراق فعلا لا قولا، وعدم الاكتفاء بإصدار بيانات تدعو إلى وحدة العراق، وإذا لم تجد دول مجلس التعاون الخليجي استجابة من أصدقائها الغربيين فيجب تطوير موقف عربي موحد تجاه الدول الكبرى، ومن أجل تلافي النقص في قدرة الضغط العربي، يجب تطوير العلاقات مع كل من مصر وتركيا والأردن وأداء دور أكبر في إزالة الخلافات البينية بين الدول العربية.
أما بالنسبة لإيران فإن التأثير على مواقفها المعادية للعرب، تتلخص في تحرك ملفات الأقليات القومية والمذهبية لأنها لن تتوقف ما لم تشعر أنها أضعف بكثير مما تظن. 
3 – اليمن:- علّقت جماهير عربية عريضة على "عاصفة الحزم" التي بدأت في 26 آذار 2015، آمالا أعرض منها وأكبر بكثير، لأنها جاءت في أسوأ ظروف التردي العربي مع شعور متزايد بأن الوطن العربي بات أسهل الأهداف لتفريغ شحنات الكراهية، وأن سلبية المواطن العربي تجاه ما يحيط به كانت توفر إغراءً بالغا لكل من لديه القوة لاختبار قوته في منطقة تم إفراغها من عناصر قوتها وثقتها بقدراتها، لذلك فقد جاءت عاصفة الحزم في وقت أحوج ما تكون الأمة لرافعة معنوية تنتشلها من الحفرة العميقة التي أصلها إليها تردد النظام الرسمي العربي إزاء التحديات.
ولكن عاصفة الحزم التي قادتها المملكة العربية السعودية، كانت تختزن في جوفها أهدافا لتيارات مختلفة، فما كانت تريده السعودية لم يكن ليخطر في بال دولة الإمارات العربية المتحدة، على الرغم من أن تلك العاصفة أبرزت موقفا موحدا في إطاره الخارجي وإن كان منقسما على نفسه، فبعد ما حصل من تطورات في الساحة اليمنية نتيجة الضربات التي وجهها طيران التحالف إلى الانقلابيين، طفت على السطح خلافات لا يمكن أن تخفى على المراقب الحصيف، وربما كانت تلك الخلافات انعكاسا لضغوط الحلفاء الكبار وحصرا الحليف الأمريكي، الذي لم ينظر إلى الحوثيين في أي وقت مضى على أنهم خطر ماثل أو محتمل على الرغم من شعارات الموت لأمريكا المستنسخة عما يجري في طهران، والمراقبون يعرفون أن ست حروب سابقة شنها نظام علي عبد صالح على الحوثيين كانت تتوقف قبل خط النهاية بقليل أي عندما تلوح بالأفق علامات هزيمة مؤكدة للحوثيين، عندها تلتقي مصلحة أمريكية إيرانية مع علي عبد صالح، ولاحظ المراقبون أن بوصلة المعارك كانت تتحول فجأة من الحرب على الحوثيين إلى حرب على تنظيم القاعدة وكأنها لعبة كل يوم في اليمن السعيد، ما لاحظناه في عاصفة الحزم أن تحرير تعز كان قرارا محظورا من أطراف لعل في مقدمتها دولة الإمارات العربية وذلك لتعارض تحريرها مع وجود الخزان البشري الواعي من حيث النوع والهائل من حيث الكم إذا ما تم توظيفه لأمكن تحرير اليمن بكاملها من دون حاجة إلى وجود عربي أو أجنبي وعندما تم رفع الحصار عن تعز تحولت البوصلة نحو المكلا في تحرك لافت للنظر، واستعاد الحوثيون قدرتهم على محاصرة تعز كي تبقى سلاحا تفاوضيا مع الحكومة، المطلوب كان استدراج السعودية إلى حرب استنزاف طويلة في اليمن، لنزع دورها القيادي في المنطقة والتلويح المستمر وإبقائها تحت خطر جدي من الشمال حيث المليشيات الشيعية والجنوب حيث يفرض الحوثيون وجودا على الحدود الجنوبية للملكة، ومن الشرق حيث يتواجد الأسطول الإيراني وأقلية شيعية جاهزة لتجنيد نفسها خدمة للمشروع الإيراني، أما البحر الأحمر فبوجود الحوثيين في اليمن وقواعد إيرانية مستأجرة من أرتيريا، فإن إيران تستطيع التفاخر بأنها أحكمت الطوق على بلاد الحرمين الشريفين.
إن التخيط لمعركة طويلة في اليمن خيار خاطئ، كان يجب حسم المعركة بأقصر وقت وتفويت الفرصة على التدخلات الإقليمية والدولية التي تسعى لتوظيف كل أزمة من أجل الكسب السياسي.
4 – فلسطين:- لا نريد الإطالة في الحديث عن فلسطين، فالأمر تمت الإحاطة بكل جوانبه أولا لطول عمر المشكلة وثانيا لوجود عقول فلسطينية نيرة ومبدعة لم تترك زاوية فيها إلا وسلطت عليها الأضواء الكاشفة ولتأكيد الحق التاريخي في أرض فلسطين بكاملها، ولكن أريد أن أطرح وجهة نظر في هذه القضية وبسطور معدودة، لقد كانت سياسات النظام الرسمي العربي المتماهية مع الموقف الأمريكي وبالتالي مع وجهة النظر الإسرائيلية، وخاصة المواقف السعودية والتي لم تدخر وسعا في تقديم العون للفلسطينيين وللعرب من خلال الدعم العربي لدول خط المواجهة، لكن بلدا مثل إيران يحاول توظيف أية ثغرة في الموقف العربي من القضية الفلسطينية للتسلل منها وطرح نفسه كقوة وحيدة مدافعة عن الحق العربي في وقت تخلى فيه العرب أنفسهم عن أقدس قضية معاصرة وتنازلوا للعدو عن حق لا يملكون حرية التصرف فيه، هذا السلوك ألحق بالدول العربية وخاصة السعودية خسارة سياسية لم يكن بالمستطاع معالجة سلبياتها.

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

سعد بن ابي وقاص

2018