سعد بن ابي وقاص سعد بن ابي وقاص

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

الصراع في ليبيا بين اللاعبين الدوليين حول ضمان مصالحهم



غرقت ليبيا في دوّامة من الفوضى العارمة المتواصلة منذ شنّ العدوان الأطلسيّ الجائر عليها، وتزداد الأوضاع على السّاحة اللّيبيّة تعقيدا يوما عن يوم.
ولقد تميّزت ليبيا طيلة هذه السّنوات الخمس بتدفّق شتّى أنواع الأسلحة وغدت حديقة آمنة للجماعات الإرهابيّة المتطرّفة بعد أن صعّد المجرمون الدّوليّون بقيادة أمريكا وحلفائها لدفّة الحكم إرهابيّين معروفين للعالم بتاريخهم الدّمويّ وبانحرافهم، وباتت ليبيا تشكّل صداعا حقيقيّا ليس فقط لأبنائها الذين لم يتعاونوا مع المعتدين الأطلسيّين ومن عاونهم، بل لمختلف الجوار اللّيبيّ ولما أبعد من ذلك.

اشتغل المجتمع الدّوليّ بالمسألة اليبيّة كثيرا منذ اندلاع أزمتها، ولكنّ ظلّ بعيدا عن الواقعيّة وتغيب عنه مظاهر الجدّيّة والرّغبة الصّادقة في حلّ المعضلة اللّيبيّة وهي بنت السّياسات والأطماع الاستعماريّة التي حرّكت ولا تزال القوى الكبرى والفاعلة فيه وهي المسؤولة عن خراب ليبيا مسؤوليّة ثابتة ومباشرة. وكانت من مظاهر هذا الاشتغال بالمسألة اللّيبيّة تعدّد المنابر والمؤتمرات التي عقدت في أكثر من بلد في أروبّا أو الوطن العربيّ، كما ميّز ذلك الاهتمام تركيزا عاليا على مصالح مختلف اللاّعبين والمشاركين إلاّ مصلحة ليبيا.
فبعد كلّ النّدوات والملتقيات وحتّى القرارات، وخاصّة حوار الصّخيرات المغربيّة وما سبقه وما تلاه من حوارات ولقاءات في تونس والجزائر ومصر مؤخّرا، فإنّ الأوضاع تزداد سوء يوما عن يوم.
إنّ حقيقة الصّراع الدّائر في ليبيا لا تزيد على أنّها تصارع للأجندات الخارجيّة وبحث مخرّبي ليبيا ومدمّريها عن ضمان حصصهم من النّفط اللّيبيّ الذي يسيل لعابهم جميعا خصوصا وأنّه أجود أنواع النّفط في العالم ناهيك عن ما تزخر به ليبيا من ثروات أخرى.
فبالعودة مثلا لرواية محاربة داعش ومطاردتها في سرت، فإنّ الأمريكان والبريطانيّين والفرنسيّين والإيطاليّين  - وهم أبرز اللاّعبين على السّاحة اللّيبية - تعمّدوا تهويل خطر المجاميع الإرهابيّة  وضخّموا عددهم لترهيب اللّيبيّين ولابتزازهم، في حين أنّ حسابات اقتصاديّة بحتة بالغة التّعقيد وهي صراع خفيّ بينهم شكّلت الدّافع الأساسيّ لتضخيم خطر مقاتلي داعش والذين لم يبق منهم في سرت سوى 300 عنصر على أقصى تقدير بعد أن نجح اللّيبيّون في إلحاق هزيمة عسكريّة نكراء بهم.
وها هي نفس تلك الحسابات والمصالح تتكرّر، فنجد أنّ ما دعا هذه القوى للإيعاز مثلا للجوار اللّيبيّ بالتّحرّك لتقريب وجهات النّظر بين الفرقاء اللّيبيّين الذين يرتبط كلّ فريق منهم بمحور خارجيّ معيّن يعمل على تحقيق مصالحه في ليبيا مقابل الحفاظ على دعمه وبالتّالي بقائه في المشهد وتنفّذه.
إنّ أكبر أدلّة نفاق هذا المجتمع الدّوليّ في ليبيا هو اعترافه بأكثر من جهة رسميّة في ليبيا، ويأتي ذلك لتحقيق غايات كثيرة أهمّها إطالة امد الصّراع لأطول مدّة ممكنة واستنزاف مقدّرات ليبيا وإنهاك جماهير شعبنا العربيّ في ليبيا وتمزيق نسيجها المجتمعيّ، وبناء على ذلك نجد أنّ الاعتراف بجيش حفتر مثلا يتأثّر دوما بمدى صموده على الأرض وهو الأمر الذي صعّد أسهم حفتر مؤخّرا بعد نجاح قوّاته في السّيطرة على الهلال النّفطيّ شرق ليبيا، كما نسجّل في نفس الوقت اعترافا بجماعة الوفاق رغم أنّهم معزولون شعبيّا وميدانيّا.
إنّ ما تشهده ليبيا منذ انطلاق العدوان الأطلسيّ الامبرياليّ عليها لا تزيد عن كونها صراعات وتصادم أجندات خارجيّة لا مصلحة للجماهير اللّيبيّة فيها وهي التي ظلّت خارج كلّ حسابات المعتدين، ويكفي للتّدليل عن بشاعة الوضع في ليبيا تواصل انقطاع التّيّار الكهربائيّ فيها على امتداد ساعات اليوم علاوة عن انخرام الأمن وانعدام أبسط الخدمات ومشاهد الخراب الواسع والسّواد الذي يلفّ كلّ أرجائها وهروب مئات آلاف اللّيبيّين لدول الجوار خصوصا لتونس، وإنّ مصلحة اللّيبيّين الحقيقيّة لا تتحقّق إلاّ باسترداد سيادة ليبيا وتعويض الضّالعين في تدميرها عن جرمهم الآثم بحقّ شعبها وقيادتها.
هذا ويبقى من أوكد مخارج الأزمة اللّيبيّة هو ضرورة تداعي العرب لنصرة شعبنا في ليبيا وبذل كلّ الجهود المخلصة لحقن دماء اللّيبيّين وللمحافظة خصوصا على وحدتها التّرابيّة ومقدّراتها وثرواتها من النّفط وغيره. حيث من البداهة بمكان التّأكيد على أنّ كلّ التّدخّلات ومحاولات حلحلة الوضع في ليبيا مهما بدت جدّيّة، فإنّها ستظلّ قاصرة وعاجزة في أحسن أحوالها عن توفير قارب نجاة جدّيّ ما لم يكن للعرب الحضور الأبرز والنّيّة الأحسن في رفع المظلمة ومداواة الجرح اللّيبيّ المفتوح وهو جرح لا يندمل بدون تضامن عربيّ واعي وإخلاص قوميّ لا مخاتلة فيه ولا تردّد.


أنيس الهمامي
نبض العروبة المجاهدة للثقافة والإعلام

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

سعد بن ابي وقاص

2018