سعد بن ابي وقاص سعد بن ابي وقاص

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

د. نزار السامرائي : ماذا حققت الشيشان من مؤتمر يتيم باسمها؟





لم يكن ضربة عبث مجنونة أن يقع الاختيار على كروزني عاصمة الشيشان الثائرة على الاحتلال الروسي لعقد مؤتمر له طابع ديني إسلامي يفترض أن تتولاه معاهد على أعلى المستويات لا جهات سياسية أو مسيسة لها غرض لا يستقيم مع النية المعلنة له، وليس حكومة والغة بدماء المسلمين في تلك المدينة نفسها وفي أماكن أخرى، مثل حكومة الرئيس الروسي بوتين.

هدف المؤتمر الأول ولكنه قطعا ليس الأخير، إحداث شرخ عمودي إضافي داخل الجسم الإسلامي إضافة إلى ما تشهده خارطة الأحداث من نزاعات يسيل فيها دم المسلمين أنهارا، استنادا إلى أفكار تدميرية للإسلام كدين، وتحويله إلى بيئة تتصارع في ساحات حروب دموية لها بداية ولكنها إن بدأت فإن أحدا لن يستطيع طي سجلها كطي السجل للكتب إلا الله وحده، لأن حروب العقائد تبقى من أكثر الحروب استعدادا لإحراق السنين والعقود وربما القرون.
من المعروف أن الإسلام ومنذ نزول وحيه على النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، واجه تحديات في وجوده من أكبر إمبراطوريتين كانتا تحكمان العالم القديم وتتنازعانه هما دولة فارس الساسانية وإمبراطورية الروم، في حالة توازن لم يفقدها تاريخ الشعوب وهي سنة إلهية تم إحكامها بدقة على مر الدهور، ومنذ ذلك الوقت حاول أعداء الأمة ضرب الإسلام من خارجه عبر تجييش الجيوش تحت لافتات دينية مرة وتحت لافتات اقتصادية مرة أخرى، ولكنهم وصلوا إلى قناعة راسخة باستحالة تدمير الإسلام بحروب خارجية مهما تضافرت عليه، لأن حالة العداء سرعان ما تستدرج تماسكا إسلاميا استثنائيا في مواجهة الخارج، وفي لحظة فاصلة تم اللقاء بين ديانتين ناصبتا الإسلام وهو ما زال عودا طريا عداوة بشراسة غير معهودة، هما اليهودية والمجوسية، فأدى الحقد على الإسلام إلى اصطفاف سياسي فكري جمع أعمدة الشعوبية الفارسية ذات الجذور الزرادشتية مع أحبار بني إسرائيل في الكيد لدين التوحيد الخالص، فنمت تيارات ظاهرها الولاء الفارسي لآل البيت، وغاطسها رغبة أكيدة في الثأر لإمبراطورية فارس التي تقوض بنيانها من القواعد في معركة القادسية عام 14 هـ، وتيارات أخرى نمت تحت عباءة حرية الرأي والأفكار الجديدة.
ومن خلال الزواج بين الأحقاد المجوسية واليهودية، نشأ دين جديد في بلاد فارس ظاهره إسلامي وحقيقته ترمي إلى ضرب أهم ركيزة جاء بها الإسلام وهي التوحيد، وذلك بنقل الإنسان من عبادة الأوثان والعباد إلى عبادة خالق العباد، فقد تسللت معتقدات غالية إلى التشيع تؤله الأئمة الاثني عشر بل أعطت لمعمميهم المتأخرين "ممن يطلق عليهم وصف مراجع التقليد" ما لم يحصل عليه كثير من الأنبياء والمرسلين من منازل، وتم إلباسهم صفات هي أقرب إلى الذات الإلهية منها إلى البشر، فحرّف الشيعة الغالية المعتقدات، وقالوا بتحريف القران الكريم وناصبوا أزواج النبي الكريم وأصحابه عداء لا يجد المرء لها تفسيرا إلا في أسباب سقوط دولة فارس، وأدخلوا إلى العبادات كل دخيل وغريب ولعل آخرها فتوى علي خامنئي بالحج إلى كربلاء والتي تأتي متناغمة مع دعوة سابقة لنوري المالكي عندما كان رئيسا للوزراء بتحويل القبلة من الكعبة المشرفة إلى كربلاء، هذه الدعوات القديمة المتجددة والممارسات الشاذة قلصت عناصر الالتقاء بين إسلام التوحيد والتشيع أقل بكثير من أسباب الالتقاء بين أي دينين مختلفين.
وبعد أن تم إنجاز هذه الصفحة التي تولاها الفرس واليهود وإحداث شرخ مؤكد بين أكثرية المسلمين السنة، وأقلية شيعية ضئيلة تتراوح نسبتها بين 5 إلى 8% فقط، انطلقت صفحة جديدة هي الأخطر والأسوأ في التاريخ الإسلامي، وهي صفحة زرع بذرة انقسام أكبر وأخطر مما سبقها، وهي خطة تمزيق السنّة إلى مكونات يكفّر بعضها بعضا ويخرج بعضها الآخر من الدين، وهنا يبرز الدور الأمريكي البروتستانتي الذي يقوده اليمين المحافظ، مع كنيسة سان بطرس بيرغ الروسية في زرع فتنة جديدة بين المسلمين وإشغالهم بنفسهم بمعارك وهمية لن يخرج فيها منتصر أبدا.
واختيار كروزني الخاضعة بقوة السلاح لسيطرة الحكم الروسي لعقد اجتماع يتناول بالبحث قضية إسلامية فكرية في غاية التعقيد والحساسية، وفي ظل صراع سياسي له خلفيات فكرية ودينية في منطقة الشرق الأوسط، تلعب حكومة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دورا خطيرا سواء في تفاصيله أو في مآلاته، وتتقاسم الأدوار ومناطق النفوذ مع الولايات المتحدة في المنطقة والوطن العربي والعالم الإسلامي لم يكن أمرا عابرا، مما لا يخفى على المراقب الحصيف.
عقد المؤتمر هناك لا بد أن يثير الكثير من الشبهات وعلامات الاستفهام والاستنكار، وذهب كثير من المهتمين بالفكر الإسلامي إلى أن روسيا تخوض حربا فاصلة ضد الإسلام بعد أن عزلت إيران عن دينها ومحيطها وأغرتها بدعم وتعاون سياسي واقتصادي وعسكري بما في ذلك التعاون في مجال الطاقة النووية، أغرتها بمزيد من الانسلاخ عن كل الشعارات التي ظلت ترفعها منذ وصول الخميني إلى السلطة في 11 شباط/ فبراير عام 1979، وذلك عن طريق إقامة حلف صليبي إيراني يجعل من سائر المسلمين الذين لا يشاطرون طهران الإيمان بولاية الفقيه، في خندق العدو الأول كما عبر عن ذلك أكثر من قيادي في الطبقة الحاكمة في طهران وبغداد "معممون وسياسيون" من أن المملكة العربية السعودية هي عدوهم الأول وهذا التحديد هو كناية عن جميع العرب وليس المملكة فقط، مما يعني إسقاط الشعارات السابقة بأن إسرائيل والشيطان الأكبر هما العدو الرئيس لجمهورية إيران الإسلامية.
كانت نتائج مؤتمر كروزني ذات نكهة سياسية ثلاثية الأبعاد، فيها طعم الكافيار الروسي والإيراني المغمس بالفودكا الروسية والترياك العجمي، وصناعة السينما الهوليودية ودعوات إباحة زواج المثليين، ولكن المؤتمر لم يتوقف عند حد إضفاء القدسية الإسلامية على حروب الإبادة التي يتعرض لها المسلمون في العراق وسوريا واليمن عبر تتويج بوتين كراع أعلى للمؤتمر، كما منحتها كنيسة سان بطرس بيرغ "لينينغراد سابقا" وكما قفزت عبارة "الحرب الصليبية على لسان جورج الابن في العدوان الأمريكي العالمي على العراق عام 2003، نعم تخطى المؤتمرون حدود واجبهم المدفوع الثمن كوعاظ لسلاطين السوء كثيرا، ودسوا أنوفهم في ميادان لا خبرة لهم فيه ولا دراية، حتى تحولوا إلى حاطب ليل، فنزعوا عن المسلمين معتقداتهم بنزعة عدوانية هي أقرب إلى الكفر منها إلى الإيمان إذ أن من كفّر مسلما بغير علم فقد كفر، استنادا إلى الهوى والغرض السياسي والمنفعة المالية ممن تبنى المؤتمر سياسيا أو أنفق عليه ماليا.
ماذا لو نجح هذا المشروع التدميري الجديد؟
هل هناك حد سيتوقف عنده أعداء الأمة عن نبش قبور ملفات وقضايا النزاعات والخلافات المذهبية؟ أم أن هناك ملفات أخرى جاهزة لإثارة فتنة جديدة بين الشوافع والأحناف؟ وبينهما وبين الحنابلة والموالك؟
من يرغب في تقليب التاريخ فلن تعدمه الوسيلة للوصول إلى هدفه، ولكن هل سأل مفكرو الغرب أنفسهم، لماذا لم يحاول المسلمون عندما كانوا أكبر إمبراطورية عرفها التاريخ، توظيف الصراع بين الكنائس الشرقية والغربية وبين الكاثوليك والبروتستانت؟ أو زرع الفتن بين الأديان الهندوسية والبوذية مع أن العرب كانوا قادرين على ذلك لو أرادوا، ولكن قيمهم السامية ما كانت تسمح لهم بالسباحة في برك دماء الشعوب كما فعلت أوربا المسيحية والصين البوذية حتى مع من يشاركها الدين.
إن إعطاء جواب عن هذا السؤال سيختصر المسافة بين نوايا الشر والسوء التي يتحرك فيها أعداء الأمة لتمزيق أوصالها وتركها فريسة للتخلف والحاجة إلى الدعم الخارجي، وبين النظرة السامية التي تعامل فيها الإسلام مع الشعوب الأخرى فلم يحاول تأجيج نار الفتن وإثارة النزاعات من أجل أن يسود، فقد كانت قيمه هي وحدها بوابة الدخول إليه عن قناعة ويقين.

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

سعد بن ابي وقاص

2018