سعد بن ابي وقاص سعد بن ابي وقاص

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

د. نزار السامرائي :"علم النفس السياسي" وتأثيراته على القرارات السيادية- الجزء الأول

                       

مقدمة
شئنا أم أبينا فإن الإنسان نتاج البيئة التي نشأ فيها وموارده المعرفية التي تلقاها من تلك البيئة هي التي ترسم له محددات سلوكه ومدى استجابته لما يصادفه من تحديات وأحداث، والذين تصدوا لمسؤولية الحكم في مختلف البلدان، يرسم سلوكهم وردّات فعلهم خزين النشأة من أسرة وشارع وبيئة، وما أضافوه بعد وصولهم مرحلة البناء الذاتي من خبرات ومهارات، وعالم اليوم كما كان في الماضي يزخر بنماذج جلبوا معهم إلى قصور المسؤولية في الحكم ما اختزنوه في حياتهم قبل ذلك، طبعا يستثنى الرسل والأنبياء عن هذه القاعدة لأنهم مكلفون بنقل رسالة وتم إعدادهم إعدادا ربانيا خاصا.

ولنأخذ عينات لغرض البناء عليها، فعلى سبيل المثال يقال بأن البدوي احتفظ بحقه للثأر من عدوه أربعين عاما وعندما أخذ بثأره ندم لتسرعه، وربما هذه الخاصية انتقلت إلى مجتمع الجزيرة العربية ودول الخليج العربي، والتي لا تستعجل بالتعاطي مع أزمات عصر السرعة مما يفوت عليها فرصا ذهبية لبناء قوتها وردع عدوها.
في العراق يشكل صدام حسين نموذجا للبيئة القاسية التي نشأ فيها بعد يتم مبكر، ومواجهة أحداث قاسية كان عليه أن يجتاز بحارها الواحد تلو الآخر، فكان في مقتبل العمر عندما اختير من بين مجموعة منفذي خطة اغتيال اللواء الركن عبد الكريم قاسم عام 1959، ولما فشلت العملية وأصيب صدام حسين أثناء التنفيذ، اتخذ قراره بنفسه ولم ينتظر توجيهات الحزب، فقرر ترك الوكر بعد أن أجرى لنفسه عملية جراحية بأدوات منزلية بدائية وحمل جرحه وغادر بغداد إلى تكريت ثم إلى سوريا عندما كانت ما تزال جزء من الجمهورية العربية المتحدة، انعكس ذلك على سلوك صدام حسين في الحكم الذي كان انعكاسا لسلوكه في طفولته وشبابه، حزم وحسم واتخاذ قرارات ذات طابع استثنائي من دون تردد، مع شدة مع الظواهر التي يراها خاطئة.
ولو درسنا ظاهرة دخول أول رئيس زنجي إلى البيت الأبيض الأمريكي، لوجدنا تفسيرا واضحا لحالة التردد والضعف التي اتسم بها الرئيس باراك حسين أوباما، فقد نشأ في بيئة تشعر بالاضطهاد والتهميش والتعالي عليها من العنصر الأبيض، وتعاطى أوباما المخدرات في بداية عمره هربا من الضغوط النفسية التي يعيشها مجتمع الأقليات، لاسيما وأنه يحمل عقدة انحداره الديني من أب كيني مسلم تزوج من أمريكية بيضاء، فعاش في البيت الأبيض وهو يستحضر أمامه على مدار اليوم شعورا بالنقص مقابل الرجل الأبيض وربما تفسر خلفية أوباما وانحداره العرقي وخلفيته الدينية سببا لدفاع الإدارة الأمريكية المبالغ به والذي خرج في أحيان كثيرة عن حدود المنطق عن حقوق الأقليات في الوطن العربي.
ربما كان لأحد التعليقات التي أطلقها أحد كبار ضباط الجيش الأمريكي والذي أحيل على التقاعد بعدها عن مفارقات الزمن الأمريكي الذي يصدر فيه رجل زنجي أوامره للأمريكيين في حين أنه كان يوما ما مواطنا من الدرجة الثانية، ربما كان لهذا التصريح أثره البالغ في رسم مسار قرارات أوباما والتي اتسمت بالتردد والتراجع عن المواقف المعلنة ومركب النقص الذي لازمه طيلة رئاسته للولايات المتحدة، أوباما أراد أن ينجح لنفسه وللمجموعة العرقية التي ينتمي "أي الزنوج" إليها فإذا كان قد سجل لنفسه أنه أول رئيس أمريكي زنجي، فإنه لم يشأ أن يكون الأخير.
بمقابل تجربة أوباما تنتصب أمامنا شخصية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، رجل المخابرات الذي جمع كل مدخراته ومهاراته السياسية من عمله في جهاز قمعي هو  KGB فأراد أن يصنع تجربة ديمقراطية مفصلة على مقاسات رجال المخابرات، فجعل من إعادة مجد الاتحاد السوفيتي القديم هاجسه الأول، ولهذا تصرف بفردية في وقت تتعالى فيه شعارات الديمقراطية في البلاد، وأدخل بلاده في مغامرات بدأت في جورجيا ولن تنتهي في سوريا مرورا بأوكرانيا، وممارسات بوليسية من قبيل أساليب تصفية الخصوم السياسيين في الداخل والخارج.
ربما كانت تلك النماذج اختصارا لما أردت اعتباره عينات عن أثر البيئة على سلوك الأفراد والساسة.

الخليج العربي وعلم النفس السياسي

يتميز الجيل الأول من حكام منطقة الخليج العربي بأنهم لم يحصلوا على قدر مناسب من التعليم الحديث، وأن ما نالوه من فرص التعليم كان في الكتاتيب التي تحرص على تعليم القران الكريم، على الرغم من أن بعضهم لم يكن يحسن قراءة آية كاملة من القرآن الكريم، وربما أخذ هذا الواقع بعدا محزنا في المملكة العربية السعودية التي يفترض أنها حامية للحرمين الشريفين وأنها تشرف على خدمتهما وتهيئة مستلزمات الراحة للحجيج والمعتمرين، وبالتالي فإن المراقب سيتبادر إلى ذهنه أن أكثر الناس معرفة بالشريعة والفقه وأصول الدين هم حكام المملكة العربية السعودية، ولكن هذا الأمر ليس أكثر من أمنيات على الأقل بالنسبة للجيل الأول من الملوك والحكام، مع استثناءات نادرة يمكن أن يكون الملك فيصل أبرز رموزها.
كما أن الرأي العالم العالمي سواء على مستوى الصحافة وأجهزة الإعلام والأحزاب والتيارات السياسية، تنظر بعيون فاحصة إلى سلوك أبناء الأسر الحاكمة من الأمراء والمقربين، لكن ما عكسه تدفق الثروة على المملكة بعد اكتشاف النفط، جعل الكثير من أبناء طبقة الأمراء يفقدون توازنهم فراحوا يسلكون سلوكا لا يليق أبدا بعائلة تمتلك أدوات السلطة والحكم في بلد يضم في أجزائه الحجاز حيث بيت الله الحرام والمسجد النبوي الشريف.
إن الرصيد المعرفي المحدود مع موارد اقتصادية ومالية وثروات طبيعية هائلة لم تخضع كلها لقوالب النظم الحسابية الرسمية الصارمة، أفقد كثيرا من جيل الشباب من الأمراء توازنهم وطفقوا يبحثون عن المتعة واللذة غير البريئتين في أي مكان يصلون إليه، مع كل ما يرافق ذلك من بذخ وإنفاق لأموال لم يحصلوا عليها بكدهم وجهدهم وإنما لأنهم أمراء في بلدان لا تقيم وزنا للعدالة في توزيع الثروة الوطنية.
إن انحدار معظم حكام الخليج العربي من بيئة اجتماعية متقاربة في قدراتها المالية وحصيلتها من التعليم والثقافة، وانحدارهم من مجتمع عشائري متقارب في تقاليده، يجعل من طريقة تعاطيهم مع القضايا السياسية والملفات الخارجية تحت تأثير المزاج العشائري في فض المنازعات، مع ما في هذا النهج من خطورة نتيجة تبسيط الأمور والتعامل معها وكأنها خلاف عشائري يحل بالدية وليس قضية وطن وأرض وسيادة وثروة شعب بأجياله المتعاقبة، فالتعامل في الملفات السياسية بطريقة حل المشاكل العشائرية يعد تفريطا بحقوق الوطن.
ومن الملاحظ أن هذه النظرة المسطحة كانت سببا في الدخول في حروب ونزاعات جديدة قبل أن تحسم الحروب والنزاعات القديمة أو التي ما تزال قائمة، إن خوض حربين في وقت واحد لم يعد أمرا متاحا حتى لأقوى الدول في العالم، فقد أكدت الولايات المتحدة على لسان قادتها السياسيين والعسكريين أن حربها في العراق علمتها درسا بليغا من أنها لن تستطيع خوض حربين في وقت واحد، ولكننا لاحظنا أن المملكة العربية السعودية دخلت في نزاعات سياسية مع دول خليجية أخرى ثم طويت صفحتها استنادا إلى مبدأ "تبويس اللحى"، كما أن حرب اليمن التي خاضتها السعودية في فترة حكم الملك عبد الله، بالتعاون مع نظام الرئيس المعزول علي عبد الله صالح عام 2009، كشفت عن نقص شديد في حلقات التدريب أو الخبرة القتالية أو في استخدام الأسلحة مما أدى إلى وقوع أسرى من الجيش السعوي بيد الحوثيين، وحرب عام 2009 تعكس في واقع الحال حالة عدم الاستقرار النفسي لدى زعامة البلاد، إذ أن فارق القوة النارية بين الأطراف المتحاربة أدى إلى وصول الحوثيين إلى الحافة القريبة للهزيمة، ولكن لتوازنات قبلية أو اجتماعية أو مذهبية، التقت مع إصرار أمريكي على تحويل مسار الحرب من الحوثيين إلى تنظيم القاعدة في جزيرة العرب فرض على المملكة وقف العمليات العسكرية، وكأن الإرادة الأمريكية تريد الإبقاء على جذوة النزاع متقدة لمواصلة تأثيرها في الملفات الداخلية لدول المنطقة، ويبدو أن السيناريو تكرر بعد البدء بعاصفة الحزم والتي توقفت قبل أن تصل إلى منتصف الطريق.
إن الانتقال من خندق وصف الحوثيين بالحركة الإرهابية إلى استقبالهم في الرياض والتفاوض معهم من أجل الخروج من الحرب أعطى رسالة للمراقبين بأن المزاج السياسي الذي يرتكز على قيم بدوية لا يسمح بالمراهنة على موقف واضح ومستند على رؤية سياسية استراتيجية ناضجة، فالدول ترسم استراتيجياتها لعشرات السنين، وتأخذ بنظر الاعتبار من خلال الدراسة العميقة للتطورات السياسية والاجتماعية، وصعود تيارات دينية أو سياسية للمشهد السياسي، بما يضمن حصانة متينة وطويلة الأمد، والتقلب بإعطاء أراء سياسية سريعة بهذا الطرف أو ذاك يخلق بلبلة وتشويشا في المجتمع قد يؤثر على ضياع بوصلة الوعي الشعبي في التمييز بين العدو والصديق والوطني العميل.

نحو استراتيجية عربية لصيانة الأمن القومي العربي 
يتطلب أي دور محوري تريد دولة ما أن تؤديه إقليميا ودوليا أن تتوفر فيها شروط ومستلزمات عديدة من أهمها....
1 – عمق استراتيجي يوفره اتساع مساحة الجغرافيا السياسية للدولة بما يؤمّن إيجاد أكثر من منطقة أمنية أو اقتصادية تجعل من استهدافها أمرا محكوما بصعوبات من خلال الحماية الطبيعية، مع إطلالة بحرية تجعل من إمكانية محاصرتها أمرا صعبا إن لم يكن مستحيلا.
2 – عدد كبير من السكان يوفرون القوة البشرية اللازمة لتحريك ماكنة الاقتصاد واستغلال الثروات الوطنية من دون اعتماد مطلق أو شبه كامل على الخبرات والأيدي العاملة الأجنبية التي تحمل موروثاتها الثقافية والدينية والاجتماعية، مع ما يمثله ذلك من إضعاف لقدرة الدولة في التحكم في ملف الأمن الداخلي وما تستنزفه العمالة الخارجية من موارد الدولة وتجعل أنشطتها الاقتصادية رهنا بإرادات خارجية تجعل من الاستقلالين السياسي والاقتصادي شعارا غير مستوفٍ لشروطه الموضوعية.
3 – نظام حكم له قاعدة شعبية عريضة ومؤمنة بأن معارضة نظام الحكم لا ينبغي أن تكون سببا في الاصطفاف مع أعداء الوطن والعمل لصالح أطراف خارجية بما يهدد أمنه القومي ومصالحه الاستراتيجية، وأي بلد منقسم على نفسه لن يكون قويا في مواجهة الأخطار الخارجية طالما كان منشغلا بأزمات داخلية تتعلق بالهوية ونظام الحكم ومدى قدرته على التعبير عن مصالح أوسع قاعدة شعبية، وهذا  يتطلب:-
أ – سلطة حكم معبرة عن إرادة واختيار شعبيين عبر وسائل حرة، لكننا هنا ينبغي أن نضع حدودا فاصلة بين ما يصلح للغرب من طرق تداول السلطة عبر صناديق الاقتراع وبين ما يصلح لمجتمعنا العربي، لأن ذلك قد لا يصلح لمجتمعات أخرى وصلت إلى هذا النوع من الحكم عبر مسيرة طويلة، فالديمقراطية كمصطلح قانوني ربما تختلف كثيرا عن مدلولاته السياسية التي عادة ما توظف لتحقيق أهداف لا صلة لها بحكم الشعب، وقد أكدت تجارب الانتخابات النيابية أو الرئاسية في الوطن العربي، وخاصة ما جرى في العراق بعد الاحتلال الأمريكي أو ما حصل في الدول العربية الأخرى بعد ما أصطلح عليه بالربيع العربي، أن تلك الانتخابات كانت مجرد ممارسة شكلية أريد لها تأكيد حالة لا وجود لها على الأرض، مع كل ما رافقها من حملة علاقات عامة روجت لها دول التحالف الذي شن العدوان على العراق لاسيما ما قامت به الصحافة والدوائر السياسية الأمريكية لتسويق فكرة أن تجربة نقل الديمقراطية قد حققت أهدافها عبر عدة عمليات تصويت رافقها تدخل للفتوى الدينية والمال السياسي والتهديد والضغوط والتزوير، ومع ذلك اعتبرتها عرسا ديمقراطيا.
ب – سلطة قضائية تتمتع بمصداقية واستقلالية حقيقية تضمن تطبيق العدالة على كافة المواطنين بحرفية ومهنية من دون تمييز بين دين ومذهب وعرق ولون واتجاه سياسي، فالكل أمام القانون متساوون في الحقوق والواجبات، إن النظام القضائي في أي بلد يعد الوجه الآخر لقوة النظام السياسي وهيبة الدولة واطمئنان المواطن إلى أنه مصان الكرامة لا يتجرأ أحد على غمط شيء من حقوقه الدستورية والطبيعية، فضلا عن أن استقلال السلطة القضائية يعطي قوة للبلد في المحافل الدولية في زمن تسعى فيه السلطة التنفيذية في كثير من بلدان العالم للتغّول على سلطة القضاء المستقل بدعوى حماية الأمن القومي.
ت – ضمان حرية التعبير واحترام حقوق الإنسان وصيانة كرامته وهذا لن يتحقق ما لم تكن هناك صحافة حرة، لقد بات احترام حرية الصحافة والتعبير من أهم حيثيات إصدار الأحكام السياسية على أي بلد في العالم وصار واحدا من أهم مقومات قوته ومكانته في المجتمع الدولي المتمدن.   
4 – قوة عسكرية محلية ترسم برامجها على هدي أهداف الاستراتيجيتين المتوسطة وبعيدة المدى، والتي عادة ما ترسم أبعادهما جهات كثيرة أبرزها مراكز الدراسات الاستراتيجية الوطنية والعربية، ومجالس الأمن الوطني أو القومي أو الجهات التي تؤدي دورها مثل مجلس الدفاع الأعلى، ووزارات الخارجية والدفاع والمخابرات العامة ومعاهد الدراسات العسكرية العليا مثل كليات الأركان والأكاديميات العسكرية العليا ككلية الحرب أو كلية الدفاع الوطني، أو من يقوم بمقام هذه الجهات، مع استعانة مؤكدة بالعقول العربية المتميزة والمؤمنة بالمسار السياسي المؤشر من قبل الدولة الطامحة للنهوض بدور قومي متميز، وعلى الدولة أن تضع الخطط طويلة الأمد بحجم كل صنف من صنوف القوات المسلحة وتطوير مهاراتها، واعتماد أحدث أساليب التدريب وتطوير كفاءة المقاتلين من أجل مراجعات دورية لحجم القوات بما يتناسب مع قدرتها على تحقيق أهدافها، هذا الطموح يجب أن يترافق مع صناعات حربية ثقيلة وإلكترونية محلية بكل حلقاتها من حيث التصميم والتنفيذ، مع توظيف محكم لقطاعات الصناعة المدنية ووضعها في خدمة الأمن القومي.
إن الأخذ بآخر الحلقات العلمية في مجالات التكنولوجيا المدنية والعسكرية، يعد الركيزة الأساسية التي لا يجوز التماهل فيها، ويجب التركيز على مبدأ في غاية الأهمية وهو أن الحصول على أية تكنولوجيا للأغراض السلمية أو الحربية، يجب أن تخضع لحسابات الدولة نفسها وعليها أن تعتمد الخطط الكفيلة بإفشال ما يمكن أن تتعرض له من ضغوط خارجية تهدف إلى التحكم بقرارها الوطني المستقل.   
5 - ثروات طبيعية متنوعة تحت الأرض وحركة تعدين تضع خططها بما يحافظ على قيمة الثروات الوطنية من دون استنزاف وربط الإنتاج بخطط محلية وليس لمجرد تأمين حاجات الدول الصناعية الأجنبية، أو في مجالات الزراعة، يتم استثمارها على النحو الأمثل واستنادا إلى خطط اقتصادية علمية مدروسة من أكبر مؤسسات التخطيط والتصميم الدولية المعروفة لحين استكمال حلقات بناء المؤسسات المحلية المشابهة كي تتحول بدورها إلى مصدر من مصادر الدخل القومي، أو مستوى تكنولوجيا متقدما وعاليا يعوض عن نقص الثروات الطبيعية.
إن أي بلد يجب أن يوظف ما لديه من ثروات ذات طابع استراتيجي لخدمة قضاياه الوطنية وأمنه القومي، ويجب عدم تحييد أي سلاح اقتصادي أو تجاري عن المساهمة في الحروب الوطنية.
6 – إرادة سياسية مستقلة استقلالا حقيقيا عن أية تأثيرات خارجية ومستندة على قدرات حقيقية وتدرج مقنن وسليم في صنع القرار السياسي وإنضاجه من خلال مؤسسات متخصصة، وربما ينظر خبراء السياسة إلى أن الإرادة السياسية تأتي في مرتبة متقدمة من عناصر القوة الاستراتيجية لأي بلد في العالم على ما عداها من مقومات أخرى، وفي حال عدم توفر الإرادة السياسية الحرة فإن جميع الشروط الأخرى تصبح من دون قيمة تذكر.
7 – علاقات خارجية مبنية على أساس من المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة واحترام حقوق السيادة والخيار الوطني، وربما دخلت على عوامل قوة بلدان العالم امتلاكها قوة دبلوماسية وحضورا في المنظمات والمؤتمرات والمحافل الدولية، ومشاركتها كطرف مقبول في حل المنازعات الدولية.
إن الفعالية الدبلوماسية التي تتميز بها السياسة الخارجية لأية دولة ينبغي أن تحدد ثلاثة أهداف مركزية لها:- 
أ – تمتين أواصر الصداقة مع المحيط الطبيعي الذي تقع فيه الدولة والارتقاء بمستوى العلاقات معه إلى درجة من الفعالية بحيث تصبح أية قضية يعاني منها بلد من بلدان هذا المحيط شغلا جماعيا لكافة دوله.
ب – تطوير العلاقات مع سائر دول العالم كسبا لدعمها في القضايا والأزمات التي قد تواجه الدولة الباحثة عن موقع سياسي دولي فاعل، فتحويل الدول المحايدة إلى دول صديقة أمر مطلوب بل وضروري جدا، لأننا نلاحظ أن دول العالم في وقت التحالفات الدولية المعلنة أو المبنية على أساس التقاء المصالح السرية تتعامل مع مواقف الدول الأخرى استنادا إلى نوعية العلاقة السياسية معها سلبا أو إيجابا، وليس إلى طبيعة المواقف نفسها.
ت – تحييد الخصوم والأعداء جهد الإمكان شريطة عدم التفريط بالمبادئ أو التنازل عن الحقوق الوطنية والقومية والإسلامية أو بمبادئ القانون الدولي التي لا تتعارض مع المصالح الوطنية والقومية.
إن أية دولة تعطي انطباعا بأنها طرف مفاوض سهل في أي من الملفات الخلافية، أو أنها على استعداد للتخلي عن جزء مما هو حق وطني ثابت تاريخيا وقانونيا لها أو التنازل عن جانب من الحقوق القومية والدينية لمجرد الظهور بمظهر الطرف الإيجابي في معادلات سياسية إقليمية أو دولية، يجعل من مصداقية هذه الدولة محل شك جدي لدى الأطراف الأخرى وتجعلها تقدم المزيد من التنازلات الدورية من رصيدها الحقيقي، فالالتفاف الشعبي محليا وخارجيا يقوي من مركز الدولة في المجتمع الدولي وسهولة المفاوض يضعف من مكانتها، وحتى في حال بروز عدم انسجام بين القانون الدولي ومصلحة الدولة، فعلى الدولة أن تضع مصالحها في الموقع الأول من اهتماماتها.
هذا الإطار العام لأي بلد يريد أو يراد له أن يؤدي دورا استراتيجيا على مستوى إقليمي أو دولي، فما هي مؤشرات قدرة بلد عربي مثل المملكة العربية السعودية على أن تكون مركز استقطاب عربيا قادرا على مواجهة التيارات الضغوط السياسية الخارجية التي تمارسها الدول الكبرى وخاصة القادمة من الولايات المتحدة التي تعتبر حليفا أو صديقا تقليديا للمملكة لنحو قرن من الزمان؟ أو من قوى دولية كبرى أخرى مثل روسيا التي ترى في بروز أي قوة عربية صاعدة، تهديدا لمصالحها وعلاقاتها الإقليمية، أو من قوى إقليمية أخرى باتت تجد نفسها قادرة على الخروج من حدودها الجغرافية لتلعب أدوارا تعبر عن طموح سياسي تراه مشروعا لأنه يتناسب مع قدراتها وما يتوفر لديها من أسباب القوة، وهنا تبرز ثلاث دول إقليمية "بعد غزو العراق واحتلاله وإخراجه من دوره القومي" هي مصر وتركيا وإيران.
ولأن منطقة الخليج العربي وجزيرة العرب والعراق وبلاد الشام يمكن النظر إليها على أنها ساحة المواجهات الساخنة بين قوى إقليمية ودولية وتريد تحويل الأراضي العربية إلى مسرح لصراعاتها وحلبة لنزاعاتها السياسية والاقتصادية والعسكرية، فإن التركيز على دور المملكة العربية السعودية وفرصها الموضوعية في أن تكون مركز قوة إقليمية قادرة على مواجهة التحدي الإيراني والمتصادم ظاهريا مع المشروعين الإسرائيلي والأمريكي ولكن هذه المشاريع تلتقي من حيث النوايا وبتفاصيل التنسيق المشترك أو بالنتائج.
فما هي نقاط قوة المملكة العربية السعودية التي تسّهل لها هذا الأمر؟ وما هي نقاط الضعف التي تحد من طموحها المشروع في هذا الوقت لتكون القوة الإقليمية العربية الإسلامية الأولى؟
أولا – نقاط القوة:-
1 – إن وجود الحرمين الشريفين في المملكة، يعطيها قوة معنوية لا تضاهى أبدا، تستقطب إليها مشاعر العرب والمسلمين على نحو لا توفره أية مغناطيسية دينية أو سياسية أو مالية أبدا، ولهذا نرى أن إيران ومنذ وصول الخميني للحكم عام 1979 راحت تطرح مقترحات على أعلى درجات سوء القصد وذلك بوضع الحرمين الشريفين تحت إشراف دولي ليس بهدف نزع الإشراف من جانب السلطات السعودية على الحرمين وإدامتهما وتطوير الخدمات المقدمة للحجاج والمعتمرين فقط وإنما من أجل أن يكون لها حق النقض على أي قرار يراد اتخاذه بما يؤّمن أهم ركائز الدين الإسلامي وهو التوحيد، وذلك عن طريق تحويل الحرمين إلى معرض لصور المعممين الفرس وكأنها أصنام جديدة تحيط بالكعبة من كل جانب، أما بالنسبة للحرم النبوي الشريف فإن أول ما تخطط له إيران وسائر قوى التشيع، هو إزالة قبري صاحبي رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما وأرضاهما.
وبقدر ما يمنح وجود بيت الله الحرام والمسجد النبوي الشريف في الحجاز من رجحان لمكانة هذه البلاد وتفوقها على غيرها في نظر المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها على سائر بلاد الأرض، فإنه في واقع الحال يفرض عليها التزامات دينية وسياسية في أعلى درجات المبدئية بما لا يصح معه إنزال السقف عن الالتزام التام بروح الإسلام وما غرسه من قيم وحتمية التناصر بين المسلمين والدفاع عن قضايا الأمة وخاصة تلك التي ترتبط بقضايا لها بعد ديني مقدس، وأن تحتل موقع الريادة في هذا الخصوص دولة مهبط الوحي ومركز دولة النبي والخلافة الراشدة، واستنادا إلى هذه الخاصية فإن المملكة العربية السعودية وكي تستقطب تأييدا عربيا وإسلاميا، فإن عليها تبني قضايا الأمة والدفاع عن مقدساتها وخاصة في فلسطين وقضية المسجد الأقصى.
لقد أدت السياسات السابقة للمملكة السعودية وفي مناسبات مختلفة وذلك بعدم إعطاء القضية الفلسطينية ما تستحق من اهتمام مبدئي وديني وقومي، وذلك بتبنيها خطا معتدلا في التعاطي مع هذه القضية التي لها قدسية ترتبط بمسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى ثم عروجه منه إلى السماء، وما قاله رسول الله من أن الرحال لا يشد إلا لثلاثة مساجد، المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى، أدت تلك السياسات إلى دخول أطراف وخاصة إيران ومن ارتبط بمشروعها التوسعي، وظفت الملف الفلسطيني لأغراض الكسب السياسي واستخدام الملف للتعريض بالموقف السعودي من القضية واتهامه بالتفريط بالقضية الإسلامية والعربية الأولى، وعلينا أن نعترف بأن مواقف العرب والمرونة التي أبداها نظامهم الرسمي تجاه إسرائيل أو تجاه استعداد بعض الدول العربية للاعتراف بإسرائيل وإقامة علاقات معها، ولعل المبادرة العربية التي قدمها الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى مؤتمر القمة العربية الذي انعقد في بيروت عام 2002، واستمرار تبني المملكة لتلك المبادرة ألحقت أكبر ضرر بسمعة المملكة، ذلك أن المملكة ينظر إليها على أن عليها أن تتبنى أكثر المواقف تشددا في قضية لا غبار على عدالتها كالقضية الفلسطينية ذات البعد الديني المقدس الذي لا يجوز التفريط ولو بجزء يسير منه.
إن آخر طرف "من الناحية المبدئية"، يجوز أن يُقبل منه إبداء المرونة في مثل القضية الفلسطينية، هو المملكة العربية السعودية لاعتبارات دينية وأخرى قومية فلو أن الديار المقدسة كانت خارج سلطة المملكة لأمكن للمراقب أن ينظر إلى سياساتها على أنها جزء من خيارات وطنية، مع أن هذا الأمر مرفوض من أي بلد عربي لاعتبارات قومية، إلا أنه بالنسبة للملكة العربية السعودية يأخذ الأمر عدة اعتبارات في وقت واحد في المقدمة منها التمسك بما جاء في أحكام القرآن الكريم وما جاء في السنة النبوية.
علينا أن نعترف أن علاقات التحالف أو الصداقة التقليدية بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة خصوصا والدول الغربية عموما، فرضت على المملكة تكييف مواقفها على نحو لا يؤدي إلى تصادم مع الغرب، واستغلت الولايات المتحدة ما تكوَن لديها من قناعات من أن السعودية لا تستطيع الخروج على شروط الصداقة المحكومة باتفاقيات ثنائية، لأن المملكة بحاجة إلى الدعم السياسي ومظلة الحماية العسكرية الأمريكية، وهذا ما دفع بالولايات المتحدة إلى مساومة المملكة ومحاولة مقايضة مواقفها العربية والإسلامية بما تحصل عليه من وعود غير مؤكدة التطبيق في كثير من الأحيان بضمان أمنها من الأخطار الخارجية أو العمل معها بتنسيق خاص في معظم الملفات التي تهم المنطقة، وذلك عندما تجد الولايات المتحدة نفسها بين خيار دعم الموقف العربي تجاه إسرائيل أو مواصلة دعمها المفتوح لإسرائيل، لأننا نعرف أن الموقف الأمريكي محكوم بقوة من جانب الحركة الصهيونية واللوبيات الإسرائيلية.
لقد استغلت الحركات السياسية والدينية المتطرفة مواقف المملكة من القضية الفلسطينية خاصة، سببا لشن حملة كراهية منسقة ضدها فنشأت الحركات الراديكالية التي وبدلا من توجيه مساعيها لضرب المصالح الصهيونية، فإنها وجهت فوهات بنادقها إلى دول عربية وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية.
إن المكانة الدينية للمملكة والتي لا تضاهيها مكانة أخرى، يمكن أن تتحول إلى مركز قوة اقتصادية وتوفر فرص عمل كبيرة للمواطنين ومصدر دخل كبير للبلاد، فيما لو تطورت الخدمات المقدمة للحجاج والمعتمرين، الذين يمكن أن تتضاعف أعدادهم عدة مرات فيما لو توفرت الإمكانات التي يحتاج إليها زائرو الديار المقدسة، وهذه الثروة غير القابلة للنضوب، لم تتحول حتى الآن إلى مصدر يعتد به للدخل القومي.
لكن وفود الملايين من مسلمي العالم إلى المملكة لتأدية مناسك الحج والعمرة، يمكن أن يرتب عليها بعض الأعباء الأمنية نتيجة لمحاولات الاختراق التي تخطط لها أو تنفذها جهات معادية، لأن نسبة كبيرة من الحجاج والمعتمرين يأتون إليها للمرة الأولى وقلة منهم هم الذين يكررون الحج أو العمرة، ولذلك فإن تكوين قاعدة معلومات ذات طابع أمني مسبق هي في غاية التعقيد ما لم يتم تنسيق أمني على مستويات عليا ومع جهات عربية وإسلامية، ومع ذلك فإن ذلك لن يمنع إمكانية الإخلال بالأمن الداخلي، لاسيما وأن أعداء المملكة لهم أذرع محلية ولهم خبرة في توظيف الفتنة لتحقيق أغراض سياسية، لذلك فإن عامل وجود الحرمين الشريفين في البلاد بقدر ما يمثل من قوة روحية ومعنوية هائلة، فإن للأمر تداعيات أمنية وهذا يرتب عليها جهدا خارقا لتحقيق أمن نموذجي إن كان الأمن المطلق مستحيلا. 
2 – للمملكة العربية السعودية مساحة كبيرة ولها إطلالتان بحريتان الأولى على الخليج العربي والثانية على البحر الأحمر، ومع أن معظم أراضي المملكة أراض صحراوية إلا أن مثل هذه الأراضي يمكن أن تكون قوة حماية ذاتية عالية القيمة أمام تقدم قوات العدو داخل أراضيها، ومن خلال هذا الاتساع الجغرافي والساحل الطويل تستطيع المملكة نشر قواتها على طول أراضي البلد وعرضه وإقامة قواعد جوية وبحرية تتخادم فيما بينها من أجل تحقيق أعلى درجات التنسيق والتكامل فيما بينها.
3 – تتوفر ثروات طبيعية في المملكة يأتي النفط في مقدمتها حتى الآن، ولكن هناك ثروات مكتشفة لم يباشر باستثمارها كالذهب واليورانيوم ومعادن أخرى لا تقل أهمية عما سبق، كما أن التوسع باستخدامات الطاقة المتجددة من الرياح وحركة المد والجزر والطاقة الشمسية يشكل بوابة الانتقال نحو الاقتصاد المتعدد الموارد وعدم الاعتماد على النفط، ويمكن توظيف هذه المصادر لتوليد الطاقة الكهربائية وإقامة محطات تحلية المياه لغرض التوسع في المشاريع الزراعية ومحطات الثروة الحيوانية.
إن من حق أي بلد في العالم أن يتحكم بما يمتلك من مصادر طبيعية إنتاجا وتسعيرا وتسويقا، ومن حق أي بلد أن يستخدم ما لديه من مصادر طبيعية كسلاح سياسي لتقوية مركزه التفاوضي وحصوله على أفضل العروض سواء في عقود البناء والتنمية أو في القضايا السياسية الوطنية وقضايا الأمن القومي، غير أن المراقبين يؤشرون على أن المملكة التي سيبق لها أن استخدمت النفط كسلاح سياسي عندما شاركت بفرض عقوبات على الغرب بسبب مواقفه المساندة لإسرائيل أثناء حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973، توقفت بعدها تماما عن التلويح باستخدام هذا السلاح بل تعدت ذلك إلى التعهد بعدم استخدام النفط كسلاح في أية معركة سياسية تتعلق بقضايا المملكة أو القضايا العربية، ربما تريد المملكة أن توجه رسالة لشعوب الدول المستهلكة أنها لن تكون سببا في أزمات اقتصادية دورية ترهق اقتصادات العالم وتلحق ضررا بالدخل الفردي الذي سيتضرر من ارتقاع أسعار الطاقة، لكن الإكثار من الحديث عن نزع ذاتي لهذا السلاح الاستراتيجي سيحوَل قوة القرار الذاتي إلى يد الطرف الآخر من المعادلة، يمكن أن يكون للحديث عن استخدام النفط كسلاح من جانب بلد منتج كبير للنفط أن يستدرج مواقف عدائية له، لكن المملكة تستطيع الأخذ بأحد خيارين بديلين الأول هو التزام جانب الصمت كي لا تفقد قدرتها على المناورة في هذا المجال، وثانيا عليها التوقف عن تأدية دور المنتج البديل الذي يغرق السوق أو يمارس الضغط على الدول الأخرى لمنعها من التلويح باستخدام النفط كسلاح.  
4 – من حسن حظ المملكة العربية السعودية أنها لا تجاور بلدا غير عربي وخاصة مثل إيران هذا إذا أغفلنا الإطلالة على الخليج العربي والتي تشكل فاصلا مائيا مهما في خطط الدفاع عن المملكة، جميع الدول المجاورة لها بريا دول عربية وهذا يخفف من توترات العلاقات مع الجيران إلى حدود بعيدة.

ثانيا - نقاط الضعف:-
1 – عدد السكان القليل والذي لا يتناسب مع مساحة الجغرافيا أو الدور الاستراتيجي الذي ترسمه المملكة لنفسها إقليميا ودوليا، إن عدد سكان المملكة لا يؤمّن ما يكفي من الرجال في القوات المسلحة للدفاع عن الوطن والأمة، كما أن حاجات البلد من الأيدي العاملة لكافة الفعاليات الاقتصادية الحالية أو المستقبلية تبقى محل تساؤل، وبإمكان المملكة معالجة هذا النقص باعتماد خطط بعيدة المدى لتشجيع الزيادة السكانية بما يتناسب مع غزارة الموارد والسعة الجغرافية والحاجات الدفاعية، ووضع تصور استراتيجي لما يجب أن يكون عليه عدد السكان على المديين المتوسط والبعيد، مع مرونة تشريعية بتجنيس العرب خاصة والمسلمين عامة مع مراعاة عدم الإخلال بالواقع الاجتماعي والموروث الثقافي للبلاد، ولا شك أن نسبة السكان المحدودة قياسا بمساحة البلاد وبما تمتلك من ثروات، تؤدي إلى أحداث خلل مؤكد في التنمية البشرية، وقد عانت دول الخليج من نقص عدد السكان قياسا إلى حجم الفعاليات الاقتصادية، مما أضطرها إلى جلب العمالة الأجنبية وخاصة من إيران وشبه القارة الهندية والدول الآسيوية الأخرى مما أدى إلى شيوع ثقافات وممارسات غريبة عن طبيعة المجتمع العربي، هذا فضلا عن تجنيد الأيدي العاملة الإيرانية في مهمات مرتبطة بطبيعة النظام السياسي القائم في طهران، ولكن الأمر أخذ بعدا خطيرا بعد وصول الخميني للسلطة في إيران، إذ أصبحت الجالية الإيرانية جنودا مجندة لخدمة مشروع تصدير الثورة، وأثناء الحرب العراقية الإيرانية تحول الإيرانيون في منطقة الخليج العربي قوة اقتصادية احتياطية لنظام الحكم، لكن هذه الجالية وأثناء فرض العقوبات الاقتصادية على إيران بسبب برنامجها النووي وزعت الأدوار على أفرادها وخاصة كبار التجار ورجال الأعمال والبنوك التابعة لهم وخاصة في دولة الإمارات العربية إلى موردين للتكنولوجيا التي كانت تفتقدها إيران بسبب العقوبات، وكذلك تحولت البنوك إلى جهات ممولة للعقود والصفقات غير المباشرة بين الشركات الدولية وإيران، غير أن تحول الكثير من أبناء الجالية الإيرانية إلى عناصر فاعلة في الخلايا النائمة، كان أخطر ما أفرزته تجربة الجالية الإيرانية في الخليج العربي.
كما أن الانتقال من عصر إلى آخر بسبب تضخم الثروة، أدى إلى بروز حاجة ملحة إلى افتتاح المزيد من المدارس والجامعات والمستشفيات، وبسبب عدم توفر العدد اللازم من المعلمين والأساتذة الجامعيين والأطباء في أصبحت الاستعانة بالأجانب أمرا لا مندوحة عنه، مما يعني تسليم ملف بناء الإنسان عقليا وجسمانيا بأيد غير محلية مع كل ما يمثله ذلك من تهديد للهوية الوطنية العربية والإسلامية ويجنح بالبلاد نحو شواطئ قد تجتاحها أعاصير سياسية أو فكرية، لذلك فيجب أن يكون التعامل مع الجاليات العربية تعاملا مستندا إلى مبادئ الإسلام الحنيف واحترام كرامة الإنسان الذي قال الله سبحانه وتعالى فيه "ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا" سيجعل منهم كتلة سكانية متفانية في خدمة البلد الذي احتضنهم وقدم لهم فرص العيش الكريم.
2 – هناك طبقة من الأمراء السعوديين يسيئون إلى بلدهم أمام الرأي العام العالمي وخاصة في الدول الغربية، وذلك بممارسة أفعال غير مقبولة لا في التقاليد العربية ولا في القيم الدينية، مثل ارتياد نوادي القمار أو النوادي الليلية وما يرافقها من بذخ وإسراف وترف مما يحيط هؤلاء الأمراء أنفسهم به من منتفعين ومرائين، كما حصل في مرات مختلفة من قبل بعض الأمراء من خلال زواج لليلةٍ واحدةٍ من فنانة مصرية أو لبنانية مع ما يرافق ذلك من تجهيز بالمجوهرات ومهر خرافي يسيء بالدرجة الأولى إلى سمعة المملكة وليس إلى هذا الأمير أو ذاك، كما أن امتلاك قنوات فضائية تخالف عموما التقاليد العربية والإسلامية في برامجها تشكل واحدة من المؤاخذات على الدولة السعودية برموزها وليس على الأمراء مالكي تلك القنوات أنفسهم، إن الحديث "من جانب حريصين على سمعة المملكة ومكانتها" عن سلوك أي أمير أو شخصية سعودية كبيرة يجب ألا يفسر على أنه محاولة للنيل من مكانة السعودية، وبالإمكان التعرف على النوايا الحقيقية من خلال مصدر الكتابة وما إذا كان يحمل ضغينة أو نزعة ثأرية مع المملكة، وعلينا أن نذّكر أن من اغتال الملك فيصل بن عبد العزيز عام 1975 لم يكن طرفا سياسيا معاديا ولم يكن مواطنا سعوديا عاديا، بل هو الأمير فيصل بن مساعد بن عبد العزيز آل سعود أي ابن أخ الملك ولم يكن ميسورا له أن يقدم على فعلته تلك لو لم يكن أميرا، وخلاصة القول إن المملكة بحاجة إلى ضبط سلوك الأمراء لأن نتائج تصرفات البعض منهم تمتد انعكاساتها ومردوداتها السلبية على العائلة وعلى الدولة، وهناك مؤشرات في غاية الأهمية بدأت بالبروز بعد تسلم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز الحكم مع ولي العهد وولي ولي العهد وخاصة ما جاء في "رؤية السعودية عام 2030" التي طرحها الأمير محمد بن سلمان، والذي يتطلع إلى إعادة توزيع الثروة على أسس أكثر عدالة، إن المملكة ما لم تتحول تحولا جديا وجذريا وبخطوات راسخة ومن دون استعجال استعراضي على طريق تحويل القرار السياسي إلى قرار مؤسسي بعيد عن المزاج الخاص أو المزاج العائلي، فإن البلاد ستبقى تسير في دائرة مغلقة من القرارات التي لا تضيف تراكما نوعيا على البناء الحديث للدولة المنشودة، ويمكن أن يؤدي السلوك غير المؤسسي في عمل الدولة إلى اتخاذ قرارات مصيرية من دون استكمال دراستها الدراسة الكافية ثم التراجع عنها وهذا ما يؤدي إلى حالة إحباط هي أسوأ بكثير مما لو لم يتم الإقدام على اتخاذ تلك القرارات.
3 – وجود أقلية شيعية لها موقفان الأول معلن وهو الولاء للبلد الذي تعيش فوق ترابه، والثاني حقيقي وهو الولاء الطائفي المستل من موروث البناء الثقافي والتوجيه المذهبي الذي يجعل من "مرجع التقليد" السلطة العليا دينيا وسياسيا واجتماعيا، والخروج على طاعته ينظر إليه على أنه خروج على المذهب والدين، ولما كان مراجع الدين الشيعة من الإيرانيين، فإن دورهم يتلخص بنزع الولاء عن الوطن وتحويله نحو مركز المذهب في إيران سواء كان المرجع يعيش في قم أو طهران أو النجف، فولاء هؤلاء جميعا لا يمكن أن يخرج عن الولاء لبلد عدو يمتلك نوازع للسيطرة والتوسع ويرنو ببصره نحو الحرمين الشريفين ليس اعتقادا بقدسيتهما وإنما لأنهما مركزا جذب تهفو إليهما قلوب المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وأن وجودهما ضمن سلطة الدولة السعودية يعني حرمان إيران من أهم ما تزعمه من تمثيلها للإسلام، ومن المحتمل أن توظف هذه القضية للتعريض بمواقف المملكة وعدم احترامها لمبادي حقوق الإنسان، إلا أن علينا أن نشير إلى قضية بات تشغل فقهاء القانون الدولي وهي اتساع نطاق ولاية القوانين الدولية في مجال حقوق الإنسان على حساب القانون الوطني، فإيهما  أولى بالتطبيق؟ على الرغم من أن كثيرا من الدول الكبرى باتت تفرض قوانين لتقييد الحريات على المواطنين والمقيمين وخرق حرية الأفراد والجماعات عبر وسائل الرقابة على الخصوصية، إلا أن هذه الدول وعندما تريد ممارسة شكل من أشكال الضغط السياسي على دولة ما فإنها تذهب إلى توظيف ما تسميه بحقوق الإنسان.
إن حل مشكلة التنوع الديني أو القومي أو المذهبي على أسس تتناسب مع طبيعة كل مجتمع وسلوك الأقليات نفسها، فإن قطعت ارتباطاتها مع مراكز التوجيه الخارجية، وأخلصت للوطن فحينذاك يمكن أن تصبح مكونا وطنيا له حقوقا كاملة على المستويات السياسية والاجتماعية وفرص العيش الكريم، لكن أن تترك قضية من هذا العيار مركونة على رفوف النوايا الحسنة، فإن ذلك لا يعني حلها وإنما تركها نارا تحت الرماد يمكن أن تشتعل في أول فرصة تظن أنها مناسبة لذلك.
4 – إن المملكة العربية السعودية لديها من مقومات النهوض الاقتصادي المتعدد المحاور وخاصة في مجالات الصناعة والصناعات الثقيلة التي تعد عمادا لنهضة حقيقية، إن مرحلة توطين التكنولوجيا تعد الخطوة الأولى لأي بلد يريد أن ينهض بدور استراتيجي محوري، فلا يجوز أن تكون مستلزمات القوة العسكرية التي عماد الدور المشار إليه آنفا، قوة مستوردة من الخارج وتخضع لشروط سياسية بشأن استخداماتها أو إعادة تصديرها أو نقلها لطرف ثالث، ولهذا فإن إقامة صرح صناعات عسكرية يجب أن يأخذ أولوية من دون أن يعني ذلك إهمال التكنولوجيا للأغراض المدنية وإلا سنكرر أخطاء التجربة السوفيتية والكورية الشمالية.
إن تنويع مصادر الدخل القومي بزيادة مساحة الرقعة الزراعية مع تطور تحلية مياه البحر، وإقامة سدود في المناطق التي تتساقط فيها أمطار غزيرة، ومشاريع إعادة تدوير مياه الصرف، والبحث عن مواطن المياه الجوفية، يعد الخطوة الأهم لتوفير الأمن الغذائي للسكان والمقيمين والحجاج والمعتمرين، وإفلات المملكة من أخطر أدوات الضغط على الدول المستقلة من جانب الدول المنتجة للغذاء والتي ترى أهمية في تصديره لا تقل عن نظرة الدول المستوردة للحصول عليه. 
5 – تركز الصناعات النفطية وموانئ التصدير على سواحل الخليج العربي وفي متناول أقصر الصواريخ الإيرانية مدى، وربما يكون لتأثيرات علم النفس السياسي تأثيراته البالغة على السلوك السياسي والتردد في اتخاذ الموقف المطلوب خشية من احتمال إقدام إيران على ضرب قاعدة الصناعة النفطية في البلاد، ولا شك أن إقامة مدن صناعية على البحر الأحمر وتوسيع الطاقة التصديرية من النفط الخام لميناء ينبع يعد واحدا من أهم الردود على الطيش الإيراني في النظر إلى هشاشة الحماية الطبيعية للمنطقة. 
6  - مضيق هرمز لم تستغل إيران قضية لابتزاز العالم ودول المنطقة، كما فعلت مع قضية مضيق هرمز وتكرار تهديداتها بإغلاقه بوجه الملاحة الدولية، وربما كان لمثل هذه التهديدات عند إطلاقها أول مرة تأثيرات سيئة سريعة جدا على المزاج السياسي العام للدول المنتجة للنفط في منطقة الخليج العربي، وعلى الدول المستهلكة للنفط وارتفاع أسعار الخام على نحو استثنائي، ولكن تكرار التهديدات مع عجز مؤكد عن وضعه موضع التنفيذ، أدى إلى إفراغه من قيمته الأمنية والسياسية، لذلك فإن واقع الأشياء يقودنا إلى افتراض أن هناك بدائل لكل دولة من دول العالم، لتنزع فتيل أية عبوة ناسفة تهدد أمنها القومي، فطالما أن مضيق هرمز سلاح نفسي بيد إيران، فيجب نزعه منها بكل الوسائل، والتوسع السعودي بتصدير نفطها عن طريق البحر الأحمر، يشكل خطة محكمة وحتمية لتجريد العدو من أحد أبرز أسلحته.
5 – هناك نقطة قوة وضعف في آن واحد إذا ما لم يتم إحكام السيطرة على نهاياتها السائبة، وهي موضوع تجديد شباب القيادة في المملكة، إذ أن هناك من داخل مؤسسة الحكم من هو راض أو من هو ممتعض أو ساخط على نقل ولاية العهد إلى حفيدي الملك عبد العزيز آل سعود الأمير محمد بن نايف والأمير محمد بن سلمان، مع أن انتقال السلطة إلى جيل جديد يجب أن يتم في نهاية المطاف، إلا أن أطرافا ترى في ما جرى ضياع فرصة كان ينبغي أن تبقى محصورة في هذا الطرف أو ذاك.
هناك قيادتان شابتان في الوقت الحاضر مع الملك سلمان، هما ولي العهد وولي ولي العهد، وهذه الثنائية قد تخلق بيئة صالحة لصراع سياسي بين شخصيتين تمتلك كل منها طموحا عاليا بحكم العمر، وربما تدخل على خط الصراع أطراف دولية يهمها انهيار المملكة من الداخل لعوامل الصراع السياسي على السلطة بدلا من شن الحرب عليها، ولما كان الأمير محمد بن سلمان هو نجل الملك ويحظى بدعمه، فإن الأمير محمد بن نايف سيجد من يدعمه خارجيا، وقد ظهرت تسريبات إعلامية أن الولايات المتحدة وبحكم دور ولي العهد ووالده الأمير نايف في الحرب على القاعدة في وقت سابق، فإنها تتظاهر بدعم الأمير محمد بن نايف وتقف بشدة ضد إزاحته عن ولاية العهد، ومن المؤكد أن الولايات المتحدة تنظر إلى أفراد الأسرة المالكة في السعودية بعين واحدة ولكنها تريد اختلاق ثغرة من التسلل من خلالها لإحداث شرخ في بلد لم يتعرض إلا إلى قليل من الهزات الداخلية، وهذا منهاج ثابت في الاستراتيجية الأمريكية تجاه حلفائها وأصدقائها وخصومها وأعدائها على حد سواء.
6 – وجود أطراف داخل مجلس التعاون الخليجي تنظر إلى دور الأخ الأكبر الذي تمارسه المملكة بعدم الرضا بل والقلق، وربما يعيد إلى الذاكرة نظرة الكويت والسعودية نفسها وسائر دول مجلس التعاون الخليجي إلى العراق بعد خروج العراق منتصرا من حرب الثماني سنوات مع إيران، وهو القلق الذي تم التعبير عنه من جانب تلك الدول بممارسة ضغوط اقتصادية عرضت أوضاع العراق الخارج لتوه من الحرب إلى أزمات أثرت على مداخيل العراق في حينه، وإذا ما التقت رؤى أطراف دولية تخطط بأعصاب باردة وضمن رؤية استراتيجية لبسط الهيمنة على أصقاع الأرض، مع رؤى إقليمية بعضها عربي قصير النظر إلى حدود غير مقبولة، مما قد يؤدي إلى ضلوع بعض هذه الأطراف "لا تقدر أنها موضوعة على لائحة مشروع بلقنة المنطقة" في مخطط تفكيك المملكة العربية السعودية لمجرد أنها لا تشعر بالارتياح لدورها أو لوجود عقّد قديمة في العلاقات معها وهذا يخص الأطراف العربية، أو ما تخطط له إيران بالتعاون والتنسيق الأمريكي الإيراني الذي يختفي وراء دخان كثيف من التضليل الإعلامي، للهيمنة على المنطقة وانتزاع الدور القيادي للعالم الإسلامي من المملكة.

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

سعد بن ابي وقاص

2018