سعد بن ابي وقاص سعد بن ابي وقاص

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

صلاح المختار : نأتي الان الى اخر مصادر وينابيع البعث وهو الاشتراكية


نأتي الآن إلى آخر مصادر وينابيع البعث وهو الاشتراكية، والتي لفقت الرجعية الدينية ضدها القصص والاقاويل الباطلة خدمة لانظمة فاسدة ومفسدة. كيف يفهم البعث الاشتراكية؟ وهل هي تختلف عن الاشتراكية الشيوعية؟ واذا كان الجواب نعم يطرح سؤال اخر : كيف تختلف واين؟ قبل الاجابة على هذه الاسئلة من
الضروري تحديد معنى الاشتراكية لانها ظلمت من قبل التيارات الدينية بشكل عام. الاشتراكية من حيث الجوهر هي الحل المطروح للمشاكل الاجتماعية التي تفسد المجتمع، وفي مقدمتها الفقر الناجم عن فوارق الطبقات الحاد، وما يترتب على الفقر من امراض خطيرة كالامية والفساد والتخلف والصراعات الاجتماعية...الخ. فالاشتراكية بهذا التحديد هي النظام الذي يزيل الفقر من اساسه بتحطيم نظام الفوارق الطبقية الكافرة، وتوفير الحاجات الاساسية للانسان مثل الخبز والتعليم والطب والخدمات الاخرى التي تحرر الانسان من العوز المادي فتتهاوى بقية الامراض الاجتماعية.

الاشتراكية إذن نظام اجتماعي يحمل الدولة مسؤولية توفير احتياجات الانسان الاساسية لاجل تحريره من عوائق الابداع والعمل الاجتماعي المنتج وازالة الشرور التي ينتجها الحرمان والفوراق الطبقية. لذلك فانها نظام انساني واخلاقي في نفس الوقت يعيد للانسان انسانيته ويحفظ كرامته ويوفر له المناخ الملائم للتحرر من الفساد وكل الامراض التي تتولد تلقائيا من الفقر مباشرة او بصورة غير مباشرة. والسؤال الجوهري هنا هو هل يوجد دين سماوي يرفض الاشتراكية مع انها تريد اقامة العدالة الاجتماعية وازالة الظلم؟ الجواب يعتمد على الصورة النمطية التي رسمتها الدوائر الغربية للاشتراكية مقتبسة النموذج الشيوعي على اساس انه النموذج الشائع للاشتراكية. فما هي هذه الصورة النمطية للاشتراكية التي تقبلتها احزاب دينية بلا تمحيص؟ اول مظاهر الصورة النمطية هي صورة اشتراكية الحادية اقترنت بالمادية الجدلية وهي الفلسفة الكونية للشيوعية، والتي اطلقت المقولة الشهيرة: (ان الكون لم يخلقه اله او انسان وانما هو نتاج التطور والصدفة)! ثم أكملت صورة الاشتراكية الظالمة بنشر مقولة الشيوعية ايضا وهي (الدين أفيون الشعوب)! بهذين الموقفين وضعت الاشتراكية في سياق مناقض للدين والايمان الديني دون نظرة موضوعية تمييزية بين الانواع المختلفة للاشتراكية، كما سنرى. اما المظهر الاخر للصورة النمطية للاشتراكية فهي وصفها بانها نظام يلغي الملكية الفردية ويحرم الانسان من التملك. واخيرا وليس اخرا قدم المظهر الثالث للصورة النمطية للاشتراكية بوصفها انها اممية تتجاوز الحدود القومية وتتعامل مع البشر كلهم على قدم المساواة. هل هذه الصورة النمطية للاشتراكية صحيحة؟ دعونا نتناول الاشتراكية البعث لنرى كم ان تلك الصورة ظالمة وغير صحيحة.

هناك ثلاثة اختلافات جوهرية بين اشتراكية البعث والاشتراكية الماركسية - اللينينية، وهي الاختلاف الفلسفي - الديني والاختلاف حول الملكية، والاختلاف حول القومية. فالبعث يرفض الربط القسري المصطنع وغير المبرر بين النظرة الفلسفية للماركسية – اللينينية، وهي المادية الجدلية التي انكرت وجود الله وعدت الدين أفيون الشعوب، ويرى اي البعث، ان الاشتراكية مفهوم اجتماعي يعالج الفقر والفوارق الطبقية واثارهما وليس له صلة بالفلسفة الجدلية ولا بأي مفهوم فلسفي اخر يتناول الكون والطبيعة. لقد تناولت المادية التاريخية، وهي الفلسفة الاجتماعية للماركسية – اللينينية، الاشتراكية من زاوية اجتماعية تاريخية، وهذا صحيح، لكنها حينما اعتبرت ان الماركسية - اللينينية هي فلسفة شمولية تفسر المجتمع والطبيعة بنفس الوقت افسدت على نفسها البيئة الاجتماعية للناس الميالين بالطبع للايمان بالله. لذلك فأن البعث يرفض المادية الجدلية ويعدها موقفا فلسفيا اقحم على نحو مصطنع على الاشتراكية والتي تقول بان أصل الشرور الاجتماعية هوالحرمان المادي الناجم عن فوارق الطبقات، وهو موقف صحيح، ويرى البعث ان الايمان بالله هو الجزء المقوم في الوعي الاجتماعي السليم والذي يدعم الاشتراكية من زاوية ان العدالة الاجتماعية هي مطلب ديني، لان الله خلق البشر ولم يخلق الفوارق الطبقية بينهم وساوى بينهم في القيمة الانسانية.

ومن مظاهر احتواء الاسلام للاشتراكية التجربة الغنية لعهد الخلفاء الراشدين حيث كانت الثروة تقسم بالتساوي بين المسلمين ولا فرق بين خليفة ومواطن عادي وقصة الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع ابنه عبد الله حول قطعة القماش مشهورة، كما ان الامام علي كرم الله وجهه قال (لو كان الفقر إنسانا لقتلته) في اشارة الى ان مصدر الشرور الاساسي في المجتمع هو الفقر. في هذا الاطار راينا البعث يرفض الفكر الإلحادي الشيوعي منذ نشوءه ويؤكد على ان الاشتراكية البعثية ايمانية وليست الحادية وانها تتوافق مع تعاليم الاسلام وتخدم هذه التعاليم.

وإذا تناولنا الميزة الأخرى لاشتراكية البعث وهي انها لا تحرم الملكية على وجه الاطلاق وانما تحرم الملكية الاستغلالية وتسمح بالمكية الفردية على ان تخضع لشرط حاسم وهو انها يجب ان تقع ضمن سيادة الملكية العامة لوسائل الانتاج الكبرى. وبهذا المعنى فان الاشتراكية البعثية توفق ما بين الملكية العامة المسؤولة عن تامين عدالة المجتمع وانتاجه وخدماته، وبين الملكية الفردية التي تلبي الحاجات الطبيعية للانسان في التملك بصفته احد اهم حوافز العمل والانتاج والابداع لدى الانسان. ان منع الملكية الفردية يفضي الى خمول الانسان وتدهور ملكته الابداعية لان الحافز الشخصي للعمل يعطل او يضعف وهذا هو احد اهم اسباب فشل الشيوعية وتدهورها.

وأخيرا وليس آخرا فأن البعث رفض الاممية الشيوعية لانها كاي اممية اخرى تقفز من فوق القومية مع ان الاممية، سواء كانت دينية او شيوعية، يجب ان تمر اولا بالرابطة القومية، وتعترف بها بصفتها وضعا انسانيا طبيعيا لا يمكن القفز من فوقه. اذ كيف يمكن ان تقام الاممية اذا كانت الرابطة القومية غير مبنية او مقامة؟ يجب اولا اكمال الوحدة القومية قبل التفكير بوحدة اوسع، تماما كالبناء العالي فانك لا يمكنك من الوصول الى اعلاه الا اذا بنيت ادناه.

أذن الاشتراكية البعثية هي نظام اجتماعي يوفر بقواعده البيئة المناسبة لتفرغ الانسان للنشاطات الروحية بلا قلق او ضغط الحاجة المادية او تهديدها للانسان يوميا بعد توفير احتياجات الانسان، وهو نظام يفتح المجال امام النشاط الفردي اقتصاديا لانه عامل ابداع وحافز انتاج، ويكمل دور الدولة في تامين السلع والخدمات لافراد المجتمع الانساني، وبقدرة الاشتراكية على تحرير الانسان من الخوف من غده يتفرغ للعمل المنتج وللقضايا الروحية والثقافية ويلج عالم تفجير طاقاته الانسانية الكامنة ممهدا لرقي الانسان خلقيا وماديا. والسؤال هنا هو: ما الذي يجعل الدين ضد الاشتراكية البعثية؟ بالتاكيد ان الاسلام هو المصدر الاساس لاشتراكية البعث وكل من فهم الاسلام على نحو صحيح توصل الى استنتاج صحيح اخر وهو ان الاسلام بذاته يتضمن الاشتراكية الايمانية

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

سعد بن ابي وقاص

2018