ما هي مكاسب العرب عموما والعراقيين خصوصا من كل الرؤساء الذين تعاقبوا على حكم الولايات المتحدة منذ رئاسة جورج بوش الأب وحتى نهاية حكم باراك حسين أوباما كي يشعروا بالابتئاس والقلق من وصول ترمب إلى الرئاسة الأمريكية؟ وماذا يمكن أن يضيف ترمب من أجواء الكراهية ضد العرب؟ ولماذا لا ننتظر منه شيئا إيجابيا؟ وهل سيكون أكثر سوءً ممن سبقه من الرؤساء؟
قطعا تاريخ الولايات المتحدة حافل بالمواقف المؤازرة لإسرائيل من يوم قيامها، سواء بالدعم السياسي أو الاقتصادي أو العسكري وتوفير المظلة الدولية لتواصل عدوانها على حقوق الشعب الفلسطيني واغتصاب أرضه وممارسة أسوأ انتهاكات حقوق الإنسان، في وقت يرفع الغرب شعارات عالية النبرة عن تعامله مع دول العالم على أساس احترامها لحقوق الإنسان، مما يؤكد ازدواجية المعايير التي تعتمدها الدول الكبرى وذلك لتبرير سياساته الداعمة للعدوان الإسرائيلي المتواصل منذ عام 1948، وسكوته عن انتهاكاتها على مدار ساعات اليوم لكل ما جاء في ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وخرقها للصكوك الدولية وشرعة القانون الدولي، في حين يقيم الدنيا إذا ما رصد حادثة عابرة في البلاد العربية يصورها على أنها خرق لحقوق الإنسان، للتشهير بها وابتزازها وممارسة الضغوط السياسية والاقتصادية عليها لإرغامها على السير في الطريق الذي تحاول دول الغرب رسمه لها.
وإذا نظرنا إلى العراق وحاولنا رصد دور الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي، والدول السائرة في فلك السياسة الأمريكية، فإننا سنجد أنفسنا بحاجة إلى مئات مما يطلق عليه الغربيون "الكتاب الأسود"، فقد حملت رئيسة وزراء بريطانيا السابقة مارغريت تاتشر عن حزب المحافظين، حملة كراهية ضد العراق ومارست دورا تحريضيا مع الرئيس الأمريكي الجمهوري جورج بوش الأب الذي لم يكن بحاجة إلى مزيد من الإغراء لشن العدوان على العراق في كانون الثاني 1991 والذي استند على حجة دخول العراق إلى الكويت، وهذه الحجة مجرد ذريعة ولو لم يدخل العراق إلى الكويت لوجدت إدارة بوش الأب ألف سبب وسبب لشن العدوان، الذي باتت أهدافه معروفة من خلال تهديد جيمس بيكر وزير الخارجية الأمريكي خلال اجتماعه مع السيد طارق عزيز، بأن أمريكا مصممة على إعادة العراق إلى عصر ما قبل الصناعة.
كي لا اشتت الرأي سأحصر وجهة نظري في الوضع العراقي.
رحل بوش الأب بعد أن حاول تنفيذ ما تعهد به لإسرائيل في تدمير قوة العراق وهمّش دوره في معادلة الأمن القومي العربي بل يمكن القول بأنه حذف دوره نهائيا، ولم يكن ذلك لصالح أي طرف عربي، وإنما أطلق وبإرادة وتخطيط مدروسين يد إيران ليس في العراق وحده وإنما في المنطقة بكاملها حتى انتفخت أكثر مما ينبغي وصارت تؤدي أدوار البطولة في مسرحية عابثة في المنطقة، وراحت تنظر إلى نفسها على أنها قوة إقليمية تمتلك حق الفرض والرفض على جميع الأطراف الإقليمية والدولية بما فيها الولايات المتحدة، مستغلة قدرتها على تحريك أذرعها الإرهابية في كل الساحات لتمارس أعلى درجات الابتزاز مع دول العالم من خلال مشروع توسعي يستغل المذهب لنشر أجنحته فوق العالم الإسلامي وبالتالي تريد أن تكون الطرف الوحيد الذي يتكلم باسم الإسلام في المحافل الدولية.
ثم جاء بيل كلنتون الديمقراطي، وواصل سياسة خنق العراق سياسيا واقتصاديا وراقب بدقة غير مسبوقة العقوبات المفروضة على العراق، فانقطعت عنه حتى الكتب العلمية التي تحتاجها الجامعات العراقية ومنع أقلام الرصاص من الدخول إلى العراق، وانقطع الدواء حتى توفي أكثر من مليون طفل نتيجة فرض حصار دوائي لم يتعرض له بلد ما من قبل، فتأكد كل العرب أن القضية تعدّت قضية الكويت ووصلت حد القضاء على شعب بكامله، ولم يتوقف كلنتون عند هذا الحد بل وجه ضربة صاروخية مؤذية على العراق لعدة أسباب، أولها أنه شعر بأن العراق بدأ يسترد عافيته من خلال المؤسسات الانتاجية التي أقامها خلال المدة السابقة للعدوان، وثانيها أنه أراد التغطية على فضيحة جنسية مارسها في واحدة من غرف البيت الأبيض مع موظفة يهودية، مما كاد أن يفقده منصبه وسمعته ويفسد عليه حياته الزوجية، وثالثها أنه أراد أن يقول بأنه رئيس قوي لا يقل شكيمة عن بوش الأب.
ورحل بيل كلنتون وجاء أكثر الرؤساء الأمريكان حمقا وغباء وهو جورج بوش الابن، فاستبطن نية العدوان على العراق جريا على سياسة أبيه، وظل بانتظار الفرصة الملائمة، فجاء حادث 11/9 هدية من السماء، فصمم على الانتقام من العراق، وقبل أن يستوي على مقعده في المكتب البيضاوي بعد الضربة، قال وفقا لما قاله جورج تينت مدير وكالة المخابرات المركزية "يجب أن يدفع العراق ثمن ما حصل" ولفقت أجهزة المخابرات ووزارة الخارجية آلاف التقارير المزورة عن دور العراق في دعم الإرهاب، وامتلاكه أسلحة الدمار الشامل، وكان لمدير وكالة الطاقة الذرية الدولية السابق محمد البرادعي الدور الأبرز في دعم خطط التلفيق عن قدرات العراق في هذا الاتجاه.
وبعد جهود متعددة المحاور باشرت قوات التحالف الدولي بزعامة أمريكا وبدور تحريضي من بريطانيا قاده هذه المرة رئيس الوزراء العمالي توني بلير، فاستعاد دور الموجه من موقع الذيل الذي مارسته تاتشر مع الرئيس الأمريكي بوش الأب، فحصل الغزو والاحتلال عام 2003، وجاء الحاكم الأمريكي المطلق بول بريمر، فصمم عملية سياسية على أسوأ ما يكون، وبما يؤمّن مصالح أمريكا وإسرائيل ويطلق يد إيران في العراق، فقد شكل بريمر مجلس الحكم الانتقالي على أسس طائفية عرقية، منح بموجبها الشيعة لوحدهم 13 مقعدا في المجلس، من مجموع 25 مقعدا لكل المكونات العراقية الأخرى، ولم يستند بريمر على أي قاعدة سليمة أو إحصاء سكاني لتوزيع المقاعد، لكن هذه هي الحالة المثالية التي يريده الغرب وإيران وإسرائيل للعراق، يريدونه بلدا مفككا ضعيفا، بلد مكونات لا بلد مواطنة.
وكان بريمر قد دشن حكمه للعراق بسلسلة من التدابير والقرارات، كان قراره الأول هو حل حزب البعث العربي الاشتراكي، ثم حل الجيش العراقي وبعد ذلك قرار دمج المليشيات المصنعّة في إيران في المؤسسة العسكرية التي أسسها، فجلب الأميين وأنصاف المتعلمين وتم منحهم الرتب العالية لقيادة القوات المسلحة المرتبطة بقوات الاحتلال شكليا وبإيران فعليا، كما أصدر قانون إدارة الدولة المؤقت الذي كرسّ المحاصصة الطائفية العرقية بأسوأ ما تحمله من منطق انتقامي حملته الولايات المتحدة على سنّة العراق، لأنهم قاوموا الاحتلال بلا هوادة استطاعت من خلال وصول التوابيت الملفوفة بالعلم الأمريكي، من نقل المعركة إلى شوارع المدن الأمريكية التي استعادت الذكريات المرة لدرس الهزيمة في فيتنام.
ثم ولى بوش الابن غير مأسوف عليه مع أكبر رصيد من احتقار الشعوب له، وجاء من بعده باراك حسين أوباما المحمّل بكل أمراض البيئة الاجتماعية التي نشأ فيها فرفع شعار الخروج من العراق، وتسلم بسبب ذلك الشعار جائزة نوبل للسلام، فتم تسجيله كأضعف رئيس في تاريخ الولايات المتحدة، ربما يعتقد البعض بأن أوباما كان إنسانيا في عدم خوض الحروب الخارجية، ولكن هذا هو آخر دافع كان يفكر فيه، فالشعب الأمريكي وصل مرحلة من القرف الأخير من خوض الحروب بعد أن وصلت هزائم أمريكا إلى حد أن كبار القادة السياسيين والعسكريين أعلنوا أن بلادهم لم تعد قادرة على خوض حربين في وقت واحد، فاستعاض عن التدخل العسكري المباشر باستراتيجية التوسع باستخدام الضربات التي توجهها طائرات مسيّرة كان عدد ضحاياها في مختلف الأرجاء لا يقل عن أولئك الذين سقطوا في التدخلات المباشرة.
ولكن أسوأ ما حصل خلال السنوات الثماني العجاف من حكم أوباما، أنه أطلق يد إيران لتتوسع أفقيا وعموديا في كل مكان، وكان يفعل ذلك عن وعي وإرادة مقصودة وخفية ومثيرة لكثير من التساؤلات، ووصل الأمر لديه أنه كافأ إيران بتوقيع الاتفاق النووي معها، ووقف مشلولا في أكثر من ساحة، وربما ما حصل للأمة العربية والعراق وسوريا واليمن، في إدارتي أوباما من السوء، هو أكبر ما أصاب الأمة العربية منذ توقيع اتفاقية سايكس بيكو وحتى يومنا الراهن.
فلماذا يخاف البعض من وصول ترمب إلى البيت الأبيض؟ هل الأمر محصور في نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس؟ هنا لا بد أن أبادر للقول بأنني أعتبر إسرائيل عدوا ثابتا للعرب جميعا وليس للفلسطينيين فقط، وإن كنت أرى في إيران الخطر الأكبر والمباشر الآن على الأمن القومي العربي، ولا توجد مفاضلة بينهما إلا في التوقيتات، لذلك من حقي أن أسأل سؤالا في غاية البساطة، هل أصبح موضوع السفارة الأمريكية في إسرائيل هو البديل النوعي للهدف العربي في استعادة فلسطين المحتلة بكاملها، من دون أن يقلل ذلك من قدسية المسجد الأقصى والقدس.
وماذا سيخسر العرب من رجل أعمال يحاول تحقيق الربح في كل صفقة يعقدها؟ فإذا كان ترمب يريد تحميل أوربا جانبا من تكاليف حمايتها، أليس من المعقول أن يطلب من حكومة الاحتلالين في العراق تسديد تكاليف "حرب تحرير العراق"؟ وهذا هو الذي دفع بحيدر العبادي إلى مطالبة المجتمع الدولي بتشكيل لجنة تحقيق بأسباب احتلال العراق، وكأن العبادي جاء من كوكب آخر وأصبح رئيسا لحكومة الاحتلال وليس لأنه هو والإسلام السياسي الشيعي كانا طرفا في تهيئة الأرضية لتدمير العراق منذ عام 1991 وحتى الآن.
وماذا يمنع ترمب من مطالبة الكويت بتسديد تكاليف "تحريرها وتعويض أمريكا لكل خسائرها في تلك الحرب؟
في ظني أن الاحتكاك "كي لا أقول الصدام" بين أمريكا ترمب ودولة الولي الفقيه واقع لا محال، لأن التاجر الجالس في المكتب البيضاوي يسعى إلى السيطرة على نفط العراق الخاضع الآن لسيطرة إيران عبر حكومات فاشلة وضعيفة ومليشيات شيعية ألحقت مؤسسات الدولة بها حتى جردتها من كل ما يستر عوراتها، وستكون خطوته الأولى في محاولة السيطرة على النفط العراقي انتاجا وتسعيرا وتسويقا.
مهما رفع ترمب من شعارات، فهو نهاية المطاف يريد النجاح، وأول خطوة على هذا الطريق تكمن في قطع الأذرع الإيرانية.
وحتى إذا كان هذا حلما فلا أشعر بخسارة كبيرة أن استمر فيه.