اعتداء الكيبيك: العرب والمسلمون هم الضّحايا الحقيقيّون للإرهاب
شهدت مقاطعة الكيبيك أوّل امس اعتداء
إرهابيّا غادرا تمثّل في إقدام مجموعة من المسلّحين باستهداف المركز الإسلاميّ فيها وإطلاق الرّصاص على المصلّين خلال أداء صلاة العشاء ما أنتج وفاة عدد منهم وجرح آخرين.
إنّه وبصرف النّظر عن سرعة الاجراءات والتّدابير التي وسمت تعاطي السّلطات الكنديّة سواء المحلّية أو المركزيّة ممثّلة برئاسة الحكومة ومباشرة التّحقيقات في ملابسات الجريمة النّكراء وتعهّدها بمزيد توفير السّلامة لدور العبادة، فإنّ المثير في هذه العمليّة علاوة على ما تقطر به من عنصريّة ومعاداة وكراهيّة تطبع تعامل الغرب ونظرته للعرب والمسلمين، وفوق ما تنطوي عليه من استباحة لحرمات الذّات البشريّة من جهة ومدى الاستهتار بضرورة احترام الآخرين خصوصا أثناء ممارسة طقوسهم الدّينيّة، هو صدى هذا العمل الهمجيّ في العالم وفي الأوساط الرّسميّة والإعلاميّة والحقوقيّة والشّعبيّة على حدّ سواء.
فعلى خلاف ما عوّدتنا به السّلطات الغربيّة وأبواقها ومنابرها الإعلاميّة الكبرى، نزل الاهتمام بحادث الكيبيك لمرتبة تلامس الازدراء واللاّمبالاة وحتّى الاستخفاف، وتلاشت في هذه المرّة صيحات الفزع المدوّية التي رافقت غيره من الأحداث الإرهابيّة المشكوك فيها أحيانا والمكشوفة أحيانا أخرى من حيث اللّمسات والبصمات والغايات والأهداف. ولم يحظ حادث الكيبيك مثلا بما حظيت به الاعتداءات التي ضربت فرنسا في مناسبات عدّة ولا ألمانيا أو الولايات المتّحدة أو حتّى بعض الأمصار من غير دول الغرب لا من حيث الإطناب في التّناول أو العرض أو البسط أو البحث في المصادر والتّكتيكات المعتمدة أو التّحليل. وغابت في هذا الحادث في سابقة من نوعها، كلّ تلك الإدانات القويّة والقراءات التي تتحدّث عن المخاطر الجدّيّة التي يشكّلها الإسلام - وعادة ما يستخدم الإسلام لضرب عصفورين بحجر واحد وهما العروبة والإسلام - على الحضارة الغربيّة وقيم الحداثة وغير ذلك من الشّعارات، كما اضمحلّت الدّعوات المألوفة لضرورة الانخراط في تحالف دوليّ يضمّ أكبر عدد من الدّول والجيوش بغية التّصدّي الكونيّ الحازم لشبح الإرهاب وانعكاساته وويلاته.
إنّ هذا التّعاطي الفاتر والباهت مع حادث الكيبيك، لا يمكن تدارسه دون تنزيل الحادث نفسه في إطاره الزّمنيّ والجغرافيّ، بل إنّ الاقتصار على هذين البعدين سيبقي أيّة محاولة لفهم ما يخطّط في دوائر صنع القرار في دائرة النّقص والحَوَل.
يشهد الغرب خصوصا في فرنسا والولايات المتّحدة الأمريكيّة اليوم تنامي الموجات اليمنيّة المتطرّفة ويتجلّى ذلك بتصاعد شعبيّة اليمين المتطرّف وتقدّمه في أوروبّا مثلا على كثير من الحركات التّقليديّة حيث بات ينازع اليسار في معاقله الرّئيسيّة، واتّسعت مع ذلك موجة المجاهرة بالعداء الفجّ والمبتذل للعرب والمسلمين والدّعوات الملحّة لضرورة التّحرّي في القاطنين منهم في الغرب وصدّ أبوابه مستقبلا أمام الوافدين عليه.
ولقد تعمّقت ظاهرة الإسلامفوبيا بين الأوساط الشّعبيّة الغربيّة التي سيطر عليها الإعلام من خلال حملات التّبشيع والتّشويه المركّزة ضدّ العرب والإسلام، وفي حقيقة الأمر فإنّ حقد الغربيّين على الإسلام على خلاف ما يحاول الإعلام تصويره ليس طارئا أو وليد ظهور بعض الحركات المتطرّفة سواء في الوطن العربيّ أو العالم الإسلاميّ، وتضيق في هذا المجال الدّراسات والتّوصيات التي تشدّد على ضرورة معاداة الإسلام ومحاربته وعدم السّماح له بالظّهور في وجهه الحقيقيّ. بل إنّ الاستناد على تلك المجاميع الإرهابيّة العاملة تحت عناوين إسلامويّة هو استناد مغرض وباطل في نفس الوقت، ذلك أنّ معظم تلك الجماعات تأسّست وقامت وترعرعت في أحضان الدّوائر الغربيّة ونشطت بمباركتها واستفادت من دعمها اللّوجستيّ والماليّ والتّقني والتّدريبيّ.
وبالعودة لحادث الكيبيك، ومواصلة في تبيان التّعامل المخاوز معه والمفاضلة بين إرهاب وآخر في الوعي الغربيّ وخصوصا في عقله الاستراتيجيّ، سنجد عوامل عديدة تقف وراء تهميش حادث المجلس الإسلاميّ لكون ضحاياه عربا ومسلمين، ولعلّ من أهمّ هذه العوامل عدم مسارعة تنظيم داعش الإرهابيّ لتبنّي الحادثة وهو الأمر الذي يدعو بدوره للتّساؤل والوقوف عنده طويلا، ويدفع للرّبط بين انعدام الحاجة لوقوف ذلك التّنظيم خلف هذا الحادث سيّما إذا ما ربطناه زمنيّا مع ما يحدث في العراق وسوريّة من استهداف للدّواعش حسب الرّوايات الرّسميّة.
هذا ويجدر البحث في هذا الهجوم عن تزامنه مع ما عبّرت عنه السّلطات الكنديّة من استعداد لاحتضانها للاّجئين المسلمين والعرب الذين أعلن سابقا ترامب عن إغلاق البوّابات الأمريكيّة بوجههم أو طردهم منها، ما يجعل أصابع الاهتمام تتّجه مباشرة في تحديد الضّالعين خلف هذا الاهتمام لجهة مخابراتيّة أو لأجهزة مرتبطة بالإدارة الأمريكيّة، بل إنّه من المتاح تصنيف حادث الكيبيك على أنّه مجرّد عقاب للإدارة الكندية لتمرّدها على قرار الجار الأمريكيّ في بداية عهد رئيسه الجديد.
إلاّ أنّه ومهما يكن من أمر، فإنّ الثّابت والأكيد أنّ محاولة تهميش حادث مقاطعة الكيبيك تعبيرة حقيقيّة على مدى الاستهانة بالدّم متى كان عربيّا ومسلما، إذ تختفي كلّ الأصوات الحقوقيّة وتعدم كلّ قدسيّات المدنيّين وحرّيتهم في ممارسة شعائرهم متى كانوا عربا أو مسلمين.
فالمساجد لا قيمة لها ولا مجال للمقارنة بينها وبين كنائس المسيحيّين أو اليهود..
أنيس الهمّامي
نبض العروبة المجاهدة للثّقافة والإعلام
30-01-2017