أ. د. كاظم عبد الحسين عباس
عندما ننشغل بالتحديق بالجزء الفارغ من قدح العرب ونبحث عن مبررات الركون في القاطرات الخلفية وأسباب استلاب ما نمتلكه من قدرات وثروات وإرادة فإننا نلجأ عادة إلى تسطير الجوانب السلبية وعوامل الوهن والضعف ومقومات الخسائر في مختلف جوانب حياتنا كأمة.
ولأن المطارق والقبضات الخارجية قد غلبت قدراتنا ومقدراتنا فإننا قليلاً ما نحدق بهدوء وروية إلى الجزء الممتلئ من الكأس. حقيقة الأمر أننا مغلوبون سياسياً ومغلوبون في عدم توظيف قدرات أمتنا العظيمة فتجرنا وقائع الهزيمة إلى التقويم السلبي.
نحن نمتلك الموارد البشرية المتعلمة والمثقفة والعلمية أكثر مما تمتلكها بريطانيا مثلاً غير أننا أخفقنا في استثمار وتوظيف هذه الموارد في إنتاج التكنولوجيا بسبب سياسات حكوماتنا لا غير. فمن يعيش في بريطانيا وهي دولة عظمى سيجد الكثير من شعبها غير متعلم بل أن بعضه لم يسمع بالماجستير والدكتوراه غير أن علماء بريطانيا يمتلكون وسائل الإنتاج في حين أننا نشتري أحدث وسائل الإنتاج العلمي ولا نستخدمها استخداماً صحيحاً بل قد تندثر في مخازن دولنا ولا تمتد إليها يد باحث. ويجد الكثير منهم عاطلين عن العمل لكنهم يفرقون عن عاطلينا في أن الدولة تتكفل برعاية العاطل حتى يحصل على عمل.
معظم جامعات الوطن العربي وهي كثيرة جداً تعطي العلم مجاناً في حين أن أغلب قنوات التعليم في العالم المتقدم خاصة وتكلف الدارسين ما تكلفهم غير أن ثمة فرق كبير بين جامعاتنا المجانية وجامعاتهم المدفوعة الكلفة هي في الجدية واحترام الزمن وفي الاجتهاد الذي يحول سنوات الدراسة ليس لمجرد اجتياز أو نجاح يفضي إلى شهادة بلا مضامين حقيقية بل هم يحولونها إلى خزين ثقافي وعلمي.
عدد العلماء العرب الحاصلين على شهادات الدبلوم العالي والماجستير والدكتوراه وشهادات الاختصاص الأخرى في الطب والاقتصاد والإدارة أكثر من أية أمة تقاربنا بعدد السكان غير أن نسبة عدد البحوث لكل باحث عربي قد تكون هي الأدنى إجمالاً بين كل الأمم المقاربة لنا في عدد العلماء ويعود السبب إلى المزاجية وإلى اعتبار الشهادة هدف وليس وسيلة وإلى الانصراف إلى التدريس دون البحث العلمي وكل هذا الضياع والهدر يعود إلى الرؤية السياسية للتعليم والبحث العلمي التي لم يراد لها أن ترتقي إلى مستوى الإيجابية.
لو استثمرت الأقطار العربية مزارعها ومصانعها وقنوات تجارتها ووظفت فيها طاقات العلماء العرب إلى جانب الجامعات والكليات والمعاهد لكان لنا شأن آخر ..
لو وظفت نسبة بسيطة من وارداتنا الأعظم في العالم اقتصادياً لامتلأ النصف الفارغ من الكأس بل وفاض.. لو جرت عملية تكامل جدية بين مصر والجزائر والعراق مثلاً مع اليمن وموريتانيا والسودان والخليج على سبيل المثال أيضاً لكان لعطاء العرب العلمي والتقني شأن آخر ... لو ...لو تم ضمان حياة آمنة ومرفهة لآلاف العلماء العرب وأرغموا إرغاماً على تحويل الشهادة إلى وسيلة تعليم وإنتاج علمي بحثي وفي التأليف والترجمة لانتقلت أمتنا في ظرف سنوات قليلة إلى فضاء مختلف ومرادف وموازي لكل الأمم.
ما نمتلكه من موارد بشرية يكفي لجعلنا أمة في مقدمة الأمم ولكننا نحتاج إلى وحدة إرادة وتعاون بناء إيجابي من حكوماتنا واليقين أن أمتنا ستتوحد سياسياً واقتصادياً لو أنها استثمرت ووظفت مواردها البشرية.. فلماذا لا نثقف ونكرس إعلامنا الشعبي لتطويع حكوماتنا على التكامل والعمل المشترك الذي يعز كراسيهم وسلطتهم؟..
علينا أن نذكر أنفسنا والعرب جميعاً بأن غزو العراق واحتلاله كان بسبب التغلب على عوامل الاستلاب وتشغيل علماءه واستثمار موارده في خدمة التطور ونحن نرى أن باقي أقطار أمتنا قد تم احتلالها عملياً وخاصة بعد غزو العراق حتى بدون أن تستثمر ممكناتها العظيمة.